موسكو الجديدة بعد حرب سورية… وفنزويلا
ناصر قنديل
– الكلام الأميركي عن التدخّل العسكري في فنزويلا صار فوق الطاولة، بما يعنيه من فشل الرهانات على الصدمة الأولى للاعتراف بالانقلاب، ومثله فشل الرهانات على شقّ الجيش أو تحريضه على تسلم السلطة، وجاءت التأكيدات على مؤشرات التفكير الأميركي بالتورط العسكري عبر ما نقله الصحافيون الذين قاموا بتغطية المؤتمر الصحافي لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون حول فنزويلا، وقرأوا في أوراق بولتون الموضوعة على الطاولة عبارة، خمسة آلاف جندي أميركي من المارينز إلى كولومبيا، وجاء كلام عضو الكونغرس الجمهوري ليندسي غراهام عن مناقشة التدخل العسكري في فنزويلا في جلسة جمعته بالرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى تحذيره لترامب من مخاطر هذا التدخل، ومضيفاً أن حماسة ترامب للتدخل تثير القلق، بحيث لم يعد من داعٍ للتساؤل حول طبيعة النيات الأميركية.
– ترجمة النيات الأميركية ليست بالسهولة التي يظنها اصحابها، فبين النيات وتحولها قراراً وخطوات عملية مسافة لا يبدو قطعها سهلاً، في ظل المؤشرات التي حملها ثبات الوضع في فنزويلا لصالح الرئيس نيكولاس مادورو، فتحركت النيابة العامة بوجه الانقلابيين، وحذرهم الجيش من أي عبث بالأمن مؤكداً وقوفه مع الشرعية التي يمثلها مادورو. والانقلابيون أنفسهم لن يجدوا التأييد الشعبي بين قواعدهم لحماية التدخل العسكري، بخلاف التأييد الذي استندوا إليه في الانتخابات بوعود الرفاه والحلول الاقتصادية. فالتدخل الخارجي مكروه أصلاً في كل اميركا اللاتينية، والأميركي الأبيض يحرّك ذاكرة سوداء مقيتة، والحروب بطبيعتها تعني الكوارث والخراب، وكلما بدا التدخل الأميركي خياراً فقد الانقلابيون شارعاً من شوارع مؤيديهم. والكولومبيون الذين يريدهم الأميركيون منصة للتدخل لن يتشجعوا لتحمّل التبعات وقد عبّروا عن إنكارهم أيّ معلومات عن تدخل أملاً بأن يصل صوتهم إلى واشنطن لعدم توريطهم.
– التدخل لن يكون نزهة، وهذا يعلمه كلّ عاقل، والواضح بأنّ حجم المقاومة التي سيولدها وخطر امتدادها إلى خارج فنزويلا بإنعاش حركة التحرر الوطني التي تنتسب للجذور البوليفارية في أميركا اللاتينية، والمواجهة قد تفتح جراحاً تمتدّ لسنوات، وتتنشر أبعد من أميركا اللاتينية إلى الولايات الأميركية حيث الانقسام بين البيض واللاتينيين في ظل الخطاب العنصري للرئيس دونالد ترامب، وانتشار الثقافة الفاشية بوجود السلاح، والتجربة التي مرت بها سورية تشكل مصدر إلهام للقيادة الفنزويلية والجيش الفنزويلي، والحديث عن تسليح الشعب وإطلاق المقاومة صار حديث اليوم مع الأنباء عن فرضيات التدخل الأميركي.
– الأهم في التجربة السورية التي تمّت المواجهة خلالها ضدّ الحرب التي قادتها واشنطن في ظروف شديدة القسوة، بوجه تحالفات أوسع، ومقدرات أكبر، وصنعت نصراً أسطورياً كشف حجم القوة المختزنة لدى الشعوب والدول في ظل قيادة وطنية شجاعة، من جهة، ومن جهة مقابلة حجم الهشاشة التي بلغتها القوة الأميركية. وأهمّ المهمّ هو كيف فعلت هذه التجربة فعلها في استنهاض روسيا لدخول الحرب من بابها الواسع، واسترداد مكانتها كدولة عظمى مؤتمنة على القانون الدولي. وها هي اليوم تقطف ثمار هذا الدور على الساحة الدولية، وتقارب التهديد الأميركي على فنزويلا بروح مبادرة وبموقف حازم عبّر عنه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بالقول إنّ موسكو ستفعل كلّ ما يلزم لمنع الخطر الذي تحمله التهديدات بالتدخل العسكري الأميركي، ولن تحتاج موسكو لاتخاذ القرار الوقت الذي احتاجته في حالة سورية.
– إنْ وقعت المغامرة العسكرية الأميركية في فنزويلا ستكون واشنطن قد حفرت قبرها بيدها وسرعت نهاية مكانتها الإمبراطورية.