هل دخلت تركيا «بيت الطاعة» الروسي؟

مهران نزار غطروف

بدا واضحاً خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده كلّ من الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في موسكو مساء الأربعاء 23 الشهر الحالي، الأجواء الإيجابية، وقد عزز ذلك تأكيد الرئيس بوتين على أنّ المحادثات سارت في «جو بناء»، وأنّ الحديث تركز على «التطورات في سورية»، معلناً أنّ دعم «وقف العمليات القتالية» في سورية، لا يجب أن يكون على «حساب محاربة الإرهاب».

وأوضح أنه ناقش مع أردوغان «الانسحاب الأميركي»، وأنّ موقف كلّ من موسكو وأنقرة «ثابت وراسخ» إزاء الأزمة في سورية، قائلاً إنه علينا العمل «على أساس سياسي ودبلوماسي وفق القرار الأممي 2254»، وعلى أساس «احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية».

من جانبه الرئيس التركي أكد أنّ «حجر الأساس» للاستقرار في سورية، هو «التنسيق» بين روسيا وتركيا، وفي ما يخصّ الحديث عن تداعيات إقامة «المنطقة الآمنة» فقد انتقد أردوغان سياسات واشنطن، قائلاً إنها «لا تتعاطى بإيجابية» مع مطالبه وما يقوله!

وشدّد على أن لا مشكلة حول هذه المسألة – أيّ المنطقة الآمنة – مع روسيا، وأنّ هذه المناطق بعد تطهيرها من الإرهابيين، ستقوم «الجهات المعنية» أيّ وزارتي الخارجية أو الدفاع في البلدين، بالعمل ذي الصلة للحفاظ عليها!

ما يفتح الباب على سؤال مفاده: هل دخلت تركيا في «بيت الطاعة» الروسي؟

قد يستغرب البعض طرح مثل هذا السؤال في هذا الوقت! والذي باتت تشكل فيه تركيا الخطر الإقليمي الأكبر على الشرق والشمال السوري، ووحدة الأراضي السورية، وهي الساعية اليوم للحصول على منطقة آمنة بعمق 25 إلى 30 كم على طول حدودها معها، خاصة بعد قرار ترامب سحب قواته منها، حيث لا يوجد إلا «الرمال والموت» على حدّ زعمه!

فارضا بقراره هذا، حالة من التخبّط في صفوف حلفائه والمراهنين عليه، ما دفع ببعضهم للهرولة باتجاه دمشق، كالكرد «الانفصاليين» في شرق الفرات، للدخول بمفاوضات معها تحت رعاية روسية مباشرة، ظهرت بعض ثمارها بدخول الجيش السوري إلى منبج مؤخراً.

وبعد أن تمّت تصفية الإرهاب في معظم الأراضي السورية، ولم يبق سوى إدلب، والتي خسرت أو تنازلت تركيا مؤخراً عنها، لصالح «جبهة النصرة» المصنّفة عالمياً كمنظمة إرهابية، عبر بعض الجماعات الموالية لها، والتي كانت تسيطر على غالبية مساحتها سابقاً؟!

وقد برز في الآونة الأخيرة الاهتمام الروسي الواضح بتطورات الوضع فيها، فقد كشف الرئيس الروسي بوتين خلال مؤتمره هذا، أنّ موضوع إدلب تمّت مناقشته «بشكل مفصّل» مع نظيره التركي، معتبراً أنّ «صيغة أستانا» هي الأكثر «فعالية» بالشأن السوري، ومؤكداً أنه يجب «الاستمرار» في محاربة الإرهاب في إدلب «بغضّ النظر» عن اتفاق وقف إطلاق النار!

وقد سبق ذلك تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد فيه «أنّ أفضل طريقة لوقف تنامي الإرهاب في سورية، هي في نقل الأراضي إلى سلطة الحكومة السورية» وتصريحات آخرى للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، تناولت فيها أيضاً سوء الوضع في إدلب ومؤكدة أنه «يتدهور» ومعربة عن «القلق» بشأن الارتفاع في عدد «انتهاكات نظام وقف إطلاق النار» في إدلب، والتي وصل عددها «لأكثر من ألف».

في الواقع اللافت للانتباه كان تركيز بوتين على تبديد مزاعم «المخاوف التركية» من خلال التأكيد على أنه لا مبرّر لها، بوجود اتفاقية أضنة المبرمة بين كلّ من دمشق وأنقرة عام 1998، لمكافحة الإرهاب بين البلدين، وتأكيده أنّ هذه الاتفاقية يمكن أن تساعد في ضمان «أمن تركيا»، وأنها «لا تزال قائمة».

وحقيقة هذا ما يجب الوقوف عنده، فهو تصريح روسي واضح للجانب التركي، بأنه لا يمكن له أن يستمرّ باحتلاله غير الشرعي للأراضي السورية، ووجوب العودة للعمل بهذه الاتفاقية التي تضمن الأمن التركي، كما كان الحال عليه ما قبل الحرب السورية، وما ينطوي عليه هذا التلميح الروسي من رسائل واضحة، تهدف لسحب ذرائع البقاء الاحتلالي من الجانب التركي، حيث باتت موسكو تعمل الآن مع أنقرة عبر سياسة فصل الملفات أكثر من ذي قبل، خاصة بعد قرار ترامب الأخير، الذي أغرق البعض معه من رأسه حتى أخمصه، كما هو حال التركي الآن…!

التركي الذي طالما حاول اللعب على التناقضات الأميركية الروسية في الحرب السورية، هو نفسه الذي سعى جاهداً إلى لقاء موسكو هذا، أملاً بإقناعها الموافقة على إقامة «المنطقة الآمنة»، عبر مقال لرئيسها أردوغان، نشر في صحيفة «كوميرسانت» الروسية قبل أيام عدة، ممهّداً لزيارته هذه، حيث قال فيه: «لا نريد التقليل من قيمة النجاحات التي حققناها مع الاتحاد الروسي في إطار عملية أستانا، أو التقدّم المحرز في مسار الحلّ السياسي.. يجب أن نعمل معاً لإعادة بناء سورية، وضمان الأمن والاستقرار فيها.. وهذه هي الطريقة الوحيدة لوضع حدّ للإرهاب، وبالتالي حماية سورية من التدخل الخارجي»!

ولكن جواب بوتين جاء واضحاً، وربطا بالقرار الأممي 2254 ، وبحصر العمل بالسياسي والدبلوماسي فقط، وضرورة العودة للعمل باتفاقية أضنة المعمول بها قبل عشرين عام.

فروسيا ترفض أيّ شكل من أشكال الاحتلال أو المساس بوحدة الأراضي السورية، وهي في حلف سيادي مع سورية، لا تستطيع بموجبه أن تمنح أحداً أياً كان، حقاً لا تملكه فيها، لا هي ولا غيرها.

في المحصلة: نعتقد بأنّ المأزق التركي يكبر يوماً بعد يوم، وهو بين أن يستمرّ أرودغان في سوتشي وأستانا، أو أن يذهب لعداء مباشر مع موسكو، وهذا ما ليس باستطاعته، فالتواجد الروسي على الساحة السورية ليس تواجداً ثانوياً وإنما هو تواجد أساسي، كونه حليفاً موجوداً ومفوّضا بقوة وموافقة من الدولة الشرعية السورية.

بناء عليه، باتت تشكل تركيا الآن الحلقة الأخيرة في الحرب على سورية، حيث لا خيارات لديها سوى الدخول إلى بيت الطاعة الروسي، وإلا فهي الحرب! ولكن الحرب هنا لن تكون ضدّ الجيش السوري فقط!

فلقد مضى الزمن الذي كان فيه التركي يضع قدماً له مع الأميركي، والأخرى مع الروسي، وترامب أفرغ جعبة أردوغان من أية أوراق تفاوضية منبج مثالاً ، كان يطمح بمقايضة الروسي عليها، في يوم مثل هذا اليوم، وقد سبق «سيف» ترامب «عذل» أردوغان لغير رجعة، وقد سبقهما الجيش السوري وحلفاؤه مجدّدا خطوة آخرى نحو النصر على مشاريعهما الاحتلالية.

وعلى ما يبدو أنّ أردوغان، بات يدرك جيداً اليوم أنّ الروسي، ومعه حلفاؤه في محور المقاومة، لا يهادن من ضعف، بل من موقع القوة، والقوة المطلقة، كما بات معروفاً عنه، وهذا إنْ دلّ على شيء، يدلّ على أنه استطاع أن يدخل هذا «العثماني الجديد» مرغماً إلى «بيت طاعتة» فمن التالي؟ لننتظر…

اترك تعليقاً

Back to top button