… وأخيراً ولدت الحكومة… عقدة التشاوري حلّت بمراد… وعقدة الحقائب بالثقافة 40 شهراً بتحدّيات كبيرة أولها العلاقة بسورية… والمحاصصة الطائفية تهدّد الآمال
كتب المحرّر السياسي
تتقدم سورية على طريق استعادة سيادتها بالتوازي مع استعادة مكانتها، فالجيش السوري والحلفاء يستعدون لمعركة إدلب التي باتت طريقاً لا مفر منه لحسم وضع جبهة النصرة بعد الفشل التركي بالوفاء بتعهدات أستانة، وموسكو تعتبر الانسحاب الأميركي من قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية أولوية، بعد كلام لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون عن البقاء في التنف وحصر قرار الانسحاب بشرق الفرات، بينما شهد الأردن اجتماعاً وزارياً لوزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والكويت والإمارات والبحرين، جرى خلاله البحث بدعوة سورية لحضور قمة تونس المقبلة، قالت مصادر المجتمعين أنه حاز الأولوية في مباحثات الوزراء.
في لبنان وبعد مخاض تسعة شهور قاربت أن تكتمل ولدت الحكومة، كما توقعت البناء قبل يومين، أن يشهد يوم أمس الخميس ولادتها، وثبت أن ما تضمنته التشكيلة من حلول للمشاكل والتعثر والعقد كان ممكناً قبل شهور، لن يعوض خسائرها تنفس اللبنانيين الصعداء بعدما نجح التأخير في خفض سقوف تطلعاتهم من المطالبة بحكومة تحلّ مشاكلهم، إلى مجرد تشكيل حكومة لمنع تفاقم مشاكلهم.
الحلول طالت عقدتي تمثيل اللقاء التشاوري وتبديل الحقائب، فتمثل اللقاء بالوزير حسن مراد نجل النائب عبد الرحيم مراد، وفق صيغة تضمن أن يمثل اللقاء حصرياً، وأن يكون مقعده من حصة رئيس الجمهورية، وان يحضر اجتماعات لبنان القوي أسوة بوزراء رئيس الجمهورية، بينما نجح رئيس الحكومة سعد الحريري بإغراء القوات اللبنانية بوزارة التنمية الإدارية للتخلي عن وزارة الثقافة التي نالها محمد داوود دوواد عن حركة أمل بدلاً من وزارة البيئة التي ذهبت للتيار الوطني الحر بشخص الوزير فادي جريصاتي، بعدما رفض النائب السابق وليد جنبلاط التنازل عن وزارة الصناعة.
الحكومة الجديدة ستعمّر أربعين شهراً كما يفترض هي المدة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة، وعن الشهور الأخيرة من عهد الرئيس ميشال عون، وأمامها تحديات كبيرة أبرزها نجاحها بتخطي العراقيل أمام إقامة علاقة متينة مع سورية، حيث تتجمّع الفرص والتحديات، ففي التعاون مع سورية حل قضية النازحين، والتعاون مع سورية فرصة لبنان الاقتصادية وهي رئته الوحيدة المفتوحة على الأسواق العربية. وبالتعاون مع سورية يحجز لبنان مقعداً في ورشة إعمار سورية التي تشكل الحدث الاقتصادي الأهم في العالم في القرن الحادي والعشرين.
التحدي الثاني أمام الحكومة يتمثل بقدرتها على عدم الإصغاء لوشوشات الخارج وشروطه، التي تستهدف الفتن الداخلية وإطاحة مناخ الاستقرار، عبر التحريض على المقاومة وسلاحها، بينما لبنان عرضة للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لأجوائه وممنوع عليه البحث عن شبكة دفاع جوي تحميه.
التحدي الثالث خلق المناخ السياسي الداخلي الذي يمنح الثقة بأن مشروع الدولة يخرج من منطق المحاصصة الطائفية التي تشكل بيئة الفساد، ومصدر هدر المال العام في التلزيمات والتوظيفات والمحسوبيات، وحيث تلبية الآمال الكبار وقفٌ على السير بقانون انتخابي جديد يخرج اللبنانيين من التقسيمات الطائفية، التي حولت الحياة السياسية حرباً أهلية باردة، جاهزة للانفجار والاشتعال مع أي متغيرات إقليمية.
ولادة الحكومة الحريري: مهمّتنا ليست سهلة
ولدت حكومة «الوفاق الوطني» بعد مخاض تسعة أشهر من التعطيل بالتناوب بين الخارج والداخل. أسبوع كامل من الآلام تبادل المؤلفون والطباخون الأدوار في إعلان المواقف التصعيدية وتحديد مهل نهائية وتقاسم التنازلات «الوهمية» الى درجة ظهروا بأنهم بذلوا التضحيات والغالي والنفيس لمصلحة البلد ومواطنيه، فيما هم أنفسهم رهنوا البلد طيلة الشهور التسعة لأهوائهم ومطامعهم الشخصية والحكومية منها والرئاسية، ووضعوا الوطن على كفّ عفريت وحافة تفجير بثلث معطل من هناك وحقيبة من هناك، فيما المواطنون يتضوّرون جوعاً ويغرقون في السيول ويعانون تشريداً ومأساة وهجرة وفقراً والبلد برمّته تحت خطر الإفلاس والانهيار.
أليس ما تمّ القبول به اليوم من حصص وحقائب ومناصب كان يمكن القبول به من أشهر عدة؟ وأليس ما قدّموه من تنازلات يمكن تقديمه منذ شهور لتسهيل الولادة؟ فبات الرئيس المكلّف يملك العصا السحرية فيما هو عقدة العقد باستيلاده عقدة تمثيل اللقاء التشاوري عبر رفضه الاعتراف بتمثيلهم من المقاعد السنية الخمسة، بينا بدت «القوات اللبنانية» مسهلة وهي من خطف التأليف خمسة شهور، بينما سار رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط بعد التأليف مع خطى الموجة الحريرية وأعلن دعمه «تويترياً» للحريري فيما رفض طلبه التنازل عن حقيبة الصناعة للرئيس نبيه بري.
أما طبيعة تمثيل اللقاء التشاوري فكان يمكن اعتماده منذ شهرين وربما أكثر، فلماذا تضييع كل هذا الوقت والعودة الى خطوط التفاوض الاولى؟
أما وقد أُعلنت الحكومة من بعبدا، فما يمكن ملاحظته بين سطور المراسيم:
جاء التوزيع السياسي للحكومة المؤلفة من 30 وزيراً 10 وزراء لرئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي من دون الثلث الضامن الذي أصرّ الوزير جبران باسيل على الاحتفاظ به – ثمانية وزراء لفريق 8 آذار من ضمنه وزير مستقل للقاء التشاوري – 12 وزيراً لتيار المستقبل والقوات اللبنانية والاشتراكي، ما يعني حصول فريق 14 آذار على الثلث المعطل بلا رئيس الحكومة ما يعني قدرتهم على تعطيل أي قرار في ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والإقليمية، بينما يشكل حاصل وزراء 8 آذار ورئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي 18 وزيراً أي الثلث الضامن والأكثرية العادية معاً.
لم يشهد مجلس الوزراء الجديد تغييرات سياسية جوهرية إذ إن القوى التي كانت ممثلة بالحكومة السابقة هي نفسها في الحكومة الجديدة باستثناء تمثيل اللقاء التشاوري، رغم وجود 17 وزيراً جديداً و13 قدامى.
استبعاد الأحزاب الوطنية والقومية واللاطائفية من التركيبة الحكومية ما يفقدها صفة حكومة الوحدة الوطنية أو الوفاق الوطني.
تكريس تمثيل اللقاء التشاوري في الحكومات المقبلة، وكسر أحادية تمثيل المستقبل للطائفة السنية، بدخول حسن مراد نجل رئيس حزب الاتحاد النائب عبد الرحيم مراد الى النادي الحكومي بعد محاولات حريرية دؤوبة لإبعاد «أبو حسين» عن الندوة البرلمانية في الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد نال البقاع الغربي حصة الأسد في التمثيل السني بتوزير الى جانب مراد خصمه السياسي والانتخابي الوزير جمال الجراح عن تيار المستقبل بلا حقيبة الاتصالات التي آلت إلى رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ما يؤشر الى أن البقاع الغربي مقبل على تنافس حاد نيابياً ووزارياً وخدمياً وعلى المرجعية السياسية بين آل مراد وآل الحريري.
أما اختيار مراد لوزارة دولة لشؤون التجارة الخارجية فليس محض صدفة، بل كان خياراً رئاسياً سياسياً وجغرافياً أيضاً لوجود إبن بلدة الخيارة البقاعية على تماس الحدود مع سورية، ما يُمكن مراد الفائز بثقة بعبدا من لعب دور على خط بيروت دمشق والتنسيق في الملفات الاقتصادية بين الدولتين في المرحلة الراهنة حتى اتضاح المشهد الإقليمي وجلاء حقيقة الانفتاح العربي على الشام ليتمكن لبنان من إعادة العلاقات السياسية الرسمية الطبيعية مع سورية.
أثبت اللقاء التشاوري قدرة على التماسك بعد محاولات عدة لتفكيكه وشق صفوفه، وقد بدا ذلك بحضور أعضائه كافة الى دارة النائب مراد لتأكيد تضامنهم وموقفهم الموحّد وموقعهم ككتلة سنية موالية لخط المقاومة، وقال عضو «اللقاء» الوزير السابق فيصل كرامي على «تويتر»: «مبروك لجميع اللبنانيين، مبروك للزملاء في اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، هيّا الى العمل».
وفي سياق ذلك أشارت مصادر «البناء» إلى دور هام جداً أداه حزب الله في تدوير الزوايا لتسهيل مهمة الرئيس الحريري منذ بداية التكليف ولا سيما في تذليل العقدة الأخيرة المتعلقة باللقاء التشاوري، كما من خلال مواقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة على الميادين التي جاءت كغطاء سياسي ظلل الجهود الرئاسية ومنحها دفعاً الى الأمام، وما يؤكد ذلك إشارة الأمين العام لتيار المستقبل احمد الحريري من بيت الوسط أمس، الى دور السيد نصرالله في الولادة الحكومية.
وتشير المصادر الى العوامل الإقليمية المحيطة وموازين القوى التي واكبت مراحل التأليف وجاءت لمصلحة فريق المقاومة في المنطقة ما فرض أمراً واقعاً في الداخل على المؤلفين لا سيما فريق رئيس الحكومة، إذا سقطت كافة الرهانات على تحولات في المنطقة لمصلحة المحور الاميركي مع الإشارة الى استيلاد الحكومة بعد أسابيع قليلة من اعلان الرئيس الاميركي عزمه سحب قواته من سورية وافغانستان اضافة إلى الانفتاح العربي على سورية.
وإذ نالت مدينتا صيدا وبيروت حصتهما في التمثيل الحكومي، استبعد الحريري الوجوه المتطرفة من المقربين الى تياره السياسي كالنائب معين المرعبي حيث آلت وزارة الدولة لشؤون النازحين الى رئيس الجمهورية ممثلة بالوزير صالح الغريب المقرّب من النائب طلال أرسلان ما يعد مؤشراً أيضاً على امكانية التعامل المريح مع السلطات السورية بموضوع النازحين السوريين.
وكان لافتاً غياب عدد من وزارات الدولة كوزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد عن التشكيلة الحكومية، في حين أن أولويات العهد هو الإصلاح ومكافحة الفساد! بينما حاز العنصر النسائي على حصة وزارية وازنة 4 نساء أبرزهن ريّا الحسن وزيرة للداخلية والبلديات للمستقبل وندى بستاني وزيرة للطاقة والمياه للتيار الوطني الحر ومي شدياق لوزارة دولة لشؤون التنمية الإدارية للقوات اللبنانية وفيوليت خيرالله الصفدي وزيرة دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والمرأة.
أما في توزيع الحقائب السيادية والأساسية فشهدت بدورها تغيراً طفيفاً، إذ احتفظ رئيس الجمهورية بالدفاع والتيار الوطني الحر بالخارجية والمغتربين والطاقة والمياه والمستقبل بالداخلية والبلديات والاتصالات وحركة أمل بالمالية، فيما تمكّن حزب الله من كسر كل المحرّمات الدولية والخطوط الحمر التي رسمت أميركياً، من انتزاع وزارة الصحة العامة، فيما تمكّن جنبلاط من انتزاع الصناعة في الكباش الحكومي والاحتفاظ بالتربية للوزير أكرم شهيب بدلاً من مروان حمادة.
وفي حين أكدت أوساط مستقبلية أن لا مشكلة في البيان الوزاري الذي من المتوقع أن تُشكل لجنة وزارية لصياغته في جلسة الغد، رأت مصادر مرتقبة بأن العبرة في سياسات الحكومة لا سيما الاقتصادية والسيادية كملف النازحين السوريين والعلاقة مع سورية ومكافحة الفساد.
وأكد رئيس الحكومة سعد الحريري من بعبدا فور إعلان المراسيم أن «الحل لا يكون بالتنظير بل ببرنامج واضح، والقضايا لا تحتمل التأخير والمساومات، والتعاون بين الوزراء واجب لنكون على مستوى التحدّي، وجدول أعمال للحكومة لا يحتمل التأخير وزمن المسكّنات انتهى».
وأشار الى ان «وجودنا في الحكومة مهمة ليست بسهلة، ولا خيار أمامنا الا تحمل المسؤوليات، وأعتمد على جميع الوزراء في بناء الدولة». وأعلن ان «اول اجتماع لمجلس الوزراء سيكون السبت الساعة الحادية عشرة والنصف».
وسبق إعلان المراسيم اجتماع بين الرئيسين عون والحريري وضعا اللمسات الأخيرة على الأسماء والحقائب ثم انضم إليهما رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وأعلن امين عام مجلس الوزراء فؤاد فليفل صدور ثلاثة مراسيم تتعلق بقبول استقالة حكومة الرئيس سعد الدين الحريري وتسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، وتشكيلة الحكومة الجديدة. ووقع المرسومين الأولين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فيما وقع المرسوم الثالث الرئيسان عون والحريري. والتشكيلة الحكومية النهائية، بحيث توزّعت الحقائب الوزارية على الشكل التالي:
سعد الدين الحريري رئيساً لمجلس الوزراء
غسان حاصباني نائباً لرئيس مجلس الوزراء
أكرم شهيب وزيراً للتربية والتعليم العالي
علي حسن خليل وزيراً للمالية
محمد فنيش وزيراً للشباب والرياضة
جبران باسيل وزيراً للخارجية والمغتربين
وائل أبو فاعور وزيراً للصناعة
ريا حفار الحسن وزيراً للداخلية والبلديات
سليم جريصاتي وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية
الياس بو صعب وزيراً للدفاع الوطني
جمال الجراح وزيراً للإعلام
يوسف فنيانوس وزيراً للأشغال العامة والنقل
اواديس كيدانيان وزيراً للسياحة
البرت سرحان وزيراً للعدل
محمود قماطي وزير دولة لشؤون مجلس النواب
منصور بطيش وزيراً للاقتصاد والتجارة
جميل صبحي جبق وزيراً للصحة
كميل أبو سليمان وزيراً للعمل
ريشار قيومجيان وزيراً للشؤون الاجتماعية
مي شدياق وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية
حسن اللقيس وزيراً للزراعة
محمد شقير وزيراً للاتصالات
عادل أفيوني وزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات
فادي جريصاتي وزيراً للبيئة
غسان عطا الله وزيراً للمهجرين
حسن مراد وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية
صالح الغريب وزير دولة لشؤون النازحين
محمد داوود داوود وزيراً للثقافة
فيوليت خير الله الصفدي وزير دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة
ندى البستاني وزيراً للطاقة والمياه
في المواقف، اعتبر الوزير باسيل انّ «تكتل لبنان القوي» لم يتحدّ يوماً بأخذ الـ 11 وزير، لافتاً إلى أنّه وفي الوقت عينه لا يمكن لأحد ان يقول اننا لا نستطيع الحصول على 11 وزيراً، فنتائح الانتخابات كانت واضحة. وقال في حديث للـ»ال بي سي»: «حصلنا على أكثر مما نريد في الحكومة، ولكن المهم ان يحصل اللبنانيون على ما يريدون». واشار إلى انّ «الاولويات في هذه الحكومة، هي الاقتصاد والفساد والنازحين».
بدوره غرّد جنبلاط على «تويتر» قائلاً: «مبروك شيخ سعد الحكومة بعد جهد جهيد. سنساعدك ضمن الثوابت التي نؤمن بها في الحزب ونعترض على أي خلل يصيب المال العام والثروة الوطنية، كما جرى في دير عمار ومصفاة طرابلس، وبالمناسبة لم تكن ملاحظتي اليوم حول تأخير التشكيل إلا من باب التخمين ولا داعي لجعلها مادة خلاف، المهم المستقبل».
وفي غضون ذلك، ارتفعت سندات لبنان السيادية الدولارية عقب الاتفاق على تأليف الحكومة، وأظهرت بيانات تريدويب أن السندات استحقاق 2037 قفزت 4.3 سنت إلى أعلى مستوى منذ أوائل آب 2018 في حين ارتفعت السندات استحقاق 2025 أكثر من ثلاثة سنتات إلى أعلى مستوى منذ تموز 2018.