«الفراغ الأميركي» لا يملأه الأكراد… فهل يحاول الأتراك؟
عصام نعمان
دونالد ترامب يتوقع «تحرير» كامل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش في سورية خلال ايام. قال إنه حتى بعد سيطرة قواته على مئة في المئة من «ارض الخلافة» فإن الولايات المتحدة ستظلّ حازمة جداً، وهي تشجّع الجهود التي تبذلها دول اخرى بما في ذلك الجهد المالي.
ايُّ دولٍ يشجعها الرئيس الأميركي على مواصلة الجهود ضد ما اسماه «فلول داعش»؟ ومن تراه يدعم لملء «الفراغ» الذي ستتركه وراءها قواته المنسحبة؟
الأكراد ليسوا دولة، فهل تخلّت عنهم أميركا لتركيا؟ صحيفة «وول ستريت جورنال» اكدت ان الانسحاب سيتم حتى لو لم يكتمل اي اتفاق مع الاكراد الذين تعاونوا مع القوات الأميركية في شمال سورية. لا يبقى، اذاً، إلاّ الأتراك. ذلك انهم يشكّلون دولةً اقليمية وازنة، فهل يكونون وحدهم شركاء أميركا في هندسة مصير المناطق التي تنسحب منها؟
مساعدة لترامب قالت عقب تصريحه عن انسحاب قواته الوشيك: «نُجري محادثات مع نظرائنا الأتراك في شأن ما يمكن القيام به بالنسبة الى المنطقة العازلة لحماية تركيا التي تشعر بقلق أمني مشروع على حدودها». هذا الكلام سرعان ما كان له صداه لدى رجب طيب اردوغان بقوله أمام اعضاء غرفة التجارة الأميركية والمجلس التركي – الأميركي إنه يجب اتخاذ خطوات في شأن إقامة منطقة آمنة في شمال سورية بأسرع ما يمكن. غير ان وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو كان واقعياً بدعوته الى التنسيق بين الأطراف المعنيين تمهيداً للانسحاب الأميركي وذلك «لتفادي اي فراغ يمكن ان يستغله الإرهابيون لتقويض وحدة اراضي سورية وتهديد أمن الدول المجاورة». الإرهابيون، في مفهوم جاويش اوغلو، هم الأكراد!
مهما يكن من أمر، فإن اردوغان محكوم عليه بالتشاور مع الرئيسين الروسي والإيراني قبل اتخاذ قرار نهائي بالنسبة الى مستقبل «الفراغ الأميركي» في شمال سورية. وهو ما سيجري بحثه في قمة سوتشي بين الرؤساء الثلاثة هذا الأسبوع.
الى اين ستنتقل القوات الأميركية المنسحبة من شمال سورية؟
الوجهة المعلنة بلسان ترامب: العراق. معظم العراقيين، مسؤولينَ ومواطنين، ساءهم وأحرجهم هذا الإعلان الفظ، خصوصاً أنه جاء مقروناً بإعلان آخر لا يقل فظاظة: استخدام العراق منطلقاً لشن هجمات ضد مَن تعتبرهم واشنطن مساندين للتنظيمات الإرهابية أو مهددين للأمن القومي الإسرائيلي في سورية وربما في إيران ايضاً. هذا التوجّه الأميركي العدواني لا يروق، بطبيعة الحال، لسورية وإيران وروسيا وحتى لتركيا، وسيكون مطروحاً بالتأكيد على جدول اعمال مؤتمر سوتشي الوشيك.
ماذا عن ردود الفعل؟ بعضها سيكون معلناً، وبعضها الآخر سيكون ضمنياً.
روسيا وإيران سترفضان، من داخل مؤتمر سوتشي، وسورية من خارجه، توجّهات أميركا العدوانية وستدعوان الى سحب قواتها من سورية والعراق. تركيا ستطالب زميلتها في حلف شمال الأطلسي بالتنسيق معها قبل القيام بتحركات عملانية. «اسرائيل» موافقة سلفاً وعلناً على كل تدبير أميركي، سياسي او عسكري، من شأنه النيل من إيران، ولاسيما ضد ما تصفه بتمركزها في سورية. إيران ستدعم القوى السياسية العراقية المعارضة لأميركا والمطالبة بسحب قواتها من البلاد، كما ستدعم عسكرياً فصائل المقاومة العازمة على التصدي لقواتها ميدانياً.
من المرجّح ان تستأخر واشنطن سحب قواتها من شمال شرق سورية كما من جنوب شرقها قاعدة التنف خصوصاً في سياق ممارسة ضغوطها السياسية والاقتصادية في كواليس المحادثات الجارية مع مختلف الأطراف الإقليميين والدوليين المعنيين بالبحث عن مخارج او تسويات للنزاعات والخلافات المستعرة.
الى ذلك، ثمة ورقة امنية ربما ترى فيها واشنطن مخرجاً عملياً وتدعو تالياً الى اعتمادها، بمباركة انقرة مباشرةً وموافقة موسكو مداورةً. إنها العودة الى اتفاقية أضنه للعام 1998 بين تركيا وسورية بغية إيجاد مخارج وتسويات لنزاع تركيا مع الاكراد السوريين، ولنزاع سورية مع تركيا التي تحتل بعض أراضيها في الغرب والشمال الشرقي وتهدد باحتلال المزيد بدعوى حماية امنها القومي من «الارهابيين» الاكراد، وكذلك إيجاد مخرج من مشكلة الإرهابيين الاجانب المتواجدين والناشطين في محافظة ادلب السورية برضا تركيا ورعايتها الامر الذي يساعد في استعادة سورية سيطرتها على المحافظة المحتلة وغير البعيدة عن قاعدتيْ روسيا البحرية في طرطوس والجوية في حميميم في محافظة اللاذقية.
من المعلوم ان اتفاقية أضنة تتيح لتركيا، بالتنسيق مع سورية، ملاحقة العناصر المعتدية عليها في حال انطلاقها من الاراضي السورية المحاذية لها بغية القضاء عليها من دون إقامة قواعد او استبقاء قوات عسكرية داخل سورية.
فوق ذلك، ثمة ورقة اقتصادية رديفة للورقة الأمنية السالفة الذكر وداعمة لها تستطيع دمشق ان تلعبها بالتعاون مع موسكو وطهران. انها ورقة إشراك تركيا، بمقدار محدد، في عملية إعمار سورية التي لا تقلّ تكلفتها عن 500 مليار دولار. هذا الخيار الاقتصادي المربح ربما يغري تركيا باعتماده بديلاً من «خيار» اقتطاع مساحات من الاراضي السورية الباهظ التكلفة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
هل يتعقّل أردوغان؟
وزير سابق