وجهة نظر
حسين مرتضى
أثار العنوان الذي أطلق على القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ المصرية، استغراب الكثيرين، «الاستثمار في الاستقرار» عنوان يختصر بوضوح قدرة الساسة في عالمنا العربي، على تطويع البراغماتية السياسية، حتى في العناوين، لاستغلال عطف الدول الكبرى في العالم، وتقديمها ما يلزم من مساعدات للدول المحتاجة، ولم يخطر في بال من اقترح أجندة المؤتمر وعنوانه، أنه في كلّ الدنيا يسبق الاستقرار الاستثمار بخطوات، وأنّ الاستثمار يأتي كنتيجة للاستقرار، وأحد مخرجاته، وهذا ما لم نلحظه في مجريات المؤتمر وما طرح فيه، من إشهار سيف العداء والتلويح به في وجه أهمّ الدول في المنطقة هو العنوان الأبرز لمن اجتمع في شرم الشيخ.
ما جرى في قمة شرم الشيخ، يكشف بشكل دقيق، ماذا يُراد من هذا التجمع لعدد كبير من زعماء الدول، وهناك إشارات واضحة من استقبال قادة الدول في المطار، حتى الكلمات والبيان الختامي، حيث سعى عبد الفتاح السيسي لاستقبال قادة الدول كلّ بحسب قدراته المالية وثرواته، متجاوزاً البروتوكولات والأعراف، فعندما يصل ملك بني سعود، يهبّ السيسي إلى المطار لاستقباله، بينما يستقبل عدداً من القادة العرب، عبر وزراء مثل مرتبة وزير بيئة، وهنا لا نعلم الصلة دبلوماسياً بين رئيس ما وهو نفسه الذي نال اعتراف مصر «ويتبع لعدوان التحالف الأميركي السعودي على اليمن»، ووزارة البيئة.
أما التمثيل العربي فقد كان ملك بني سعود الأبرز، بعد إقصاء محمد بن سلمان عن المشاركة، في محاولة تطمين للعالم الغربي، ما يعني أنّ القادة الأوروبيين ما زالوا يرفضون حضور هذه الشخصية في أيّ اجتماع دولي، وأنّ ملف الجرائم التي ارتكبها بن سلمان ما زال حاضراً.
أما في الجوهر لا يمكن أن نرى هذه القمة أبعد من محاولة جديدة بعد مؤتمر ميونيخ للأمن، لإيجاد حلول من قبل بعض الدول الأوروبية والعربية، للأزمات الأمنية التي تعاني منها تلك الدول، بعد انخراطها بشكل فعلي في حروب المنطقة، ومنها الحرب على سورية واليمن، والأزمة في ليبيا، وما ستشكل هذه الحروب من ارتدادات على كلّ من أشعلها، بغضّ النظر عن الطريقة والأسلوب، إلا انّ المحور الرئيس فيها كان العلة التي أصابت جميع دول محور الشر في العالم، من قرار ترامب الانسحاب من سورية، بعد الهزيمة الواضحة لذلك المحور في المنطقة، ومحاولة تطويق القرار، وهو ما يبرّر توقيت القمة، ومحاولة التركيز على تصدير إيران من جديد كعدو رئيسي للمنطقة والمحيط الأوروبي، بعد أن فشلت جميع محاولات مؤتمري وارسو وميونيخ، وإقفال الباب أمام الجميع من خلال شعوب المنطقة التي رفضت التطبيع مع كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، وجاءت كلمة ملك بني سعود واضحة في ذلك الصدد، فمن لا يحفظ تاريخ فلسطين ويخطئ به، كيف يمكن له أن يتحدث عن فلسطين وهو ملك التطبيع وقائد المطبّعين في العالمين العربي والإسلامي.
الهروب إلى الأمام الذي تعتقد من خلاله تلك الدول الراعية للإرهاب في المنطقة، أنها قادرة على خلق أزمات جديدة، وبرأيي فإنّ ما قام به قبل القمة محمد بن سلمان، من صولات وجولات في آسيا بكلّ دولها، لم تنفع بتطويق الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو محور المقاومة، وهذا ينطبق تماماً على محاولة التأثير السعودي في قمة شرم الشيخ، وإنّ مقايضة الاستثمار بالاستقرار في المنطقة، لن تمرّ عبر إظهار إيران أنها العدو، ولو تبنّت بعض الدول التكتيك الأميركي في حروبها على الشعوب، ولن يساعد بني سعود الانحياز للكيان «الإسرائيلي».
مدينة شرم الشيخ المصرية ترتبط بذاكرتنا بالمؤتمرات التآمرية التي تحاول تطويق المقاومة ودول محورها، فليس بجديد على الدول ان تجتمع بهذه المدينة، كما حدث عام 1996 حين دعت مصر إلى مؤتمر دولي في شرم الشيخ لإنقاذ «عملية السلام»، وأطلقوا التهديدات للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وبعد هذا المؤتمر بأسابيع شنّ شيمون بيريز عملية «عناقيد الغضب» ضدّ المقاومة، والمدن والقرى والأهالي في لبنان، ثم ما لبث أن خسر الانتخابات العامة، التي جاءت ببنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء في الكيان، وهذا يدلل على فشل هذه القمم والمؤتمرات بتحقق أيّ من أهدافها العدوانية بتصفية قضايا المقاومة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.