العلة في النظام قبل أن تكون في الفساد
عمر عبد القادر غندور
لا شك انّ معركة الفساد في لبنان، معركة معقدة جداً على المستويين الداخلي والخارجي أيضاً. وقد رأينا في الأيام الماضية كيف بدأت الاصطفافات على نحو يحمي الفاسد ويدين من يتصدّى له!
وعلى المستوى الخارجي، فالتصدّي للفساد هو المعبر الوحيد لتسييل أموال مؤتمر «سيدر» كشرط أكده المنسق لمقرّرات «سيدر» السفير بيار دوكان.
الأجواء السائدة الناجمة عن فتح ملف الفساد توحي بأنّ الفساد له طائفة وعشيرة وحماة، وهو يتقدّم على الفضيلة ومصلحة لبنان واللبنانيين، وتبقى أحلام اللبنانيين بوطن نظيف تحكمه القوانين ويسوده العدل مجرد احلام غير قابلة للتحقيق.
أما شعارات التصدّي للفساد والهدر واستباحة المال العام والمحسوبيات تبقى أسيرة النظام الطائفي الذي يدير هذه الشبكات ويحميها ولا يُسمح بمعالجتها!
يُحكى انه كان لأحد أمراء لبنان مطحنة ولّى عليها «مطحنجياً» يستغلها، فيستوفي من كلّ مدّ قمح «ثمنية» طحين، مع العلم انّ الثمنية هي مكيول يعادل جزءاً من ثمانية أجزاء من المدّ، لذلك سُمّيت ثمنية.
«فاشتلق» بعض الناس على المطحنجي يكيل القمح قبل طحنه بصاع أصغر حجماً مما يجب ان يكون، ثم يستوفي الأجرة طحيناً بثمنية أكبر حجماً مما يجب أن تكون، فسرت بين الناس موجة من التذمّر بلغت مسامع الأمير، فبادر الى إبدال المطحنجي بمطحنجي آخر.
وإذا بالمطحنجي هذا ينهج نهج سلفه فيتعالى الاحتجاج ويشتدّ الهياج، فيبادر الأمير حالاً إلى إبداله بمطحنجي آخر، وبقي الصاع وبقيت الثمنية، وبقيت الأصول المرعية حتى ضجّت الرعية، فألّفوا وفداً لمقابلة الأمير وعرض الأمر عليه والتظلم لديه.
وقبل أن يستقرّ المقام بالقادمين عاجلهم الأمير بقوله: «المطحنة مطحنتكم ولا تهمّنا إلا مصلحتكم، وقد أبدلنا أولئك الحرامية من المطحنجية حرصاً على المصلحة الوطنية، واذا كان من يتولى المطحنة حالياً ليس على قد الخاطر أبدلناه بسواه حتى يأخذ الحق مجراه».
فقالوا: «ولكن طال عمرك سيّدنا، فالعلة ليست بهؤلاء المطحنجية بل بالصاع والثمنية».
فصاح بهم: «كفى! الصاع صاع الإمارة والثمنية ثمنيتها، ولا أقبل أن يتطاول أحد على نظام الإمارة وقوانينها».
رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي