حرب الصفقات العسكرية بين روسيا وأميركا!
سماهر الخطيب
منذ إعلان تركيا سعيها شراء منظومة أس 400 للدفاع الجوي بدأت معها التنديدات والتهديدات إن كان من الناتو التي هي أحد أهم أعضائه نظراً لموقعها ولتعداد جيشها وقوته، أو من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي ربطت شراء تركيا للمنظومة الروسية بشرائها لطائرات أف 35 الأميركية التي تنتجها «لوكهيد مارتن» وأكثر من الربط كان حجب عملية البيع كلياً، إذا أصرّت تركيا على المنظومة الصاروخية.
وفي المقارنة بين الصناعات العسكرية الدفاعية الأميركية والروسية يبدو جلياً تنافس شركات الصناعات العسكرية والتي تهتم بزيادة مستمرة للميزانية الدفاعية، لتبدو الحاكم الأكثر تأثيراً في القرارات الدولية.
وذكر الرئيس الأميركي آيزنهاور في 1956 عن هذا المجتمع الصناعي الحربي في الولايات المتحدة، وقال «إنه خطير، وإنه يتفوّق على بقية عناصر الدولة الأميركية». وهذا الكلام لرئيس أميركي وليس لخبير من الجانب الآخر.
وإن كان أيام الاتحاد السوفياتي الكثير من النقاط داخل الولايات المتحدة تقول بما يجب فعله الآن. كانت هناك تيارات تقول «إن أميركا كسبت الحرب الباردة وتكلّفت ثمناً باهظاً لتحقيق ذلك، ولذلك يتوجب عليها التركيز على الأمور الداخلية بإعادة بناء البنى التحتية والرعاية الصحية وغير ذلك». بينما تيارات أخرى تقول بـ»الحفاظ على القوة الأميركية، وعلى هذا التفوق ومنع أيّ طرف آخر من اللحاق بها».
كسب الطرف الثاني الجولة ونرى الآن هذا الموقف الأميركي وهو مركّب عسكري صناعي، ويمكن الإضافة إليه مركّباً تقنياً وإعلامياً.
وبالتالي، فإن هذه القوة التي تتمتع بها الشركات الصناعية تؤثر في التوجّه نحو زيادة النفقات العسكرية، خاصّة أنّ هناك علاقة مع السياسيين الذين يستفيدون من المصانع العسكرية، والمعدّات العسكرية وغير ذلك في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الضغط من قبل بعض الصناعات العسكرية على السياسيين الأميركيين لتشكل لوبياً ضاغطاً في الولايات المتحدة.
إن الشركات العسكرية والشركات الحربية الأميركية هي من تزيد سعر منتجاتها العسكرية. وفي هذا الوجه يمكن زيادة الميزانية إلى تريليونات الدولارات.
ولا ننسى «فعالية النفقات» مثلاً الأسطول الحربي الأميركي هو أقوى أساطيل العالم. وفي الوقت نفسه مدمّرة «زامبورد» الحديثة أحدث المدمرات الموجودة لدى الأسطول الأميركي. في البداية تم التخطيط لبناء 35 مدمرة من هذا النوع. وتدريجياً اقتنعت الأوساط المرتبطة بالأسطول أنّ سعر هذه المدمّرة يتزايد باستمرار. والآن توقفت الإدارة الأميركية عن فكرة بناء ثلاث مدمرات من هذا النوع، قياساً لما تكبّدته من نفقات.
وفي العودة إلى صفقة الطائرات الأميركية، التي باتت على المحك مقارنة بالموقف التركي المتشدّد بإصراره على شراء المنظومة الروسية، يتضح السبب الخفي وراء التعنت الأميركي الكامن بالشركات المصنّعة، والمنافسة الصناعية العسكرية التي يعلو منسوبها كسباق محموم فعلاً بدأ يتصاعد خلال السنوات الأخيرة من أجل أن تبيع بعض الشركات السلاح.
أضف إلى ذلك، تواجد الروس على الأراضي التركية لتعليم الأتراك كيفية التعامل مع المنظومة، ولّد خشية لدى واشنطن من امتلاك موسكو أسرار صناعة طائرات «أف 35» وبالتالي تطوير طائرات «سوخوي-57» الروسية، بما ينافس تلك الأميركية.
وخاصة أنّ التاريخ سجل سابقة روسية سوفياتية حين امتلك الروس أسرار القنبلة الذرية، وامتلاكهم للأسلحة النووية 1949، ما دفع إلى سباق تسلح محموم انتهى بـ»الردع النووي» وامتلاك أميركا لـ7000 رأس نووي، وزيادة عليها مئة امتلكها الروس أي 7100 رأس نووي.
ما دفع العملاقين إلى توقيع معاهدات سالت للحؤول دون زجّ العالم نحو الهاوية. وبشكل خاص حينما امتلكت الصين وفرنسا والهند وباكستان تلك الأسرار والصناعات.
التاريخ يُعيد نفسه، ويسجل الأميركي فيه موقفاً بتعليق معاهدة الصواريخ الموقعة عام 1968، ليقوم الروسي بالمثل.
ربما خشية الأميركي من تطوير الروس أسلحتهم الاستراتيجية «الغواصات النووية والصواريخ الفرط صوتية» وهو ما لا تحتسبه أميركا، الأمر الذي دفعها إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية إلى ما يزيد عن 700 مليار دولار.
وروسيا لم تعد فقط تتفوق بالأسلحة التقليدية وتعداد الجنود والعتاد التقليدي والرؤوس النووية، تعدّاه إلى تطوير استراتيجي دفاعي، جعل الدول تتسابق لشراء السلاح الروسي.
وفقاً لشروط العرض والطلب فإنّ تلك الأسلحة تفوق الأميركية بميزاتها وخفض أسعارها، فطائرة «سوخوي -57» الروسية، أقل تكلفة بـ 2.5 مرة من «إف-35» الأميركية.
وهنا لن تشتري تركيا فقط «أس- 400» بل ستتجه نحو «أس- 500»، وربما تعرض عن شراء مقاتلات «أف 35» وهي الشريكة في برنامج تصنيعها منذ 2002 واستثمرت في البرنامج المذكور 1.2 مليار دولا، وتساهم في سلسلة الإمداد فيه، وكانت تخطط لشراء 100 مقاتلة.
وبالتالي محاولة إبعاد تركيا من البرنامج ستؤدي إلى تخريب سلسلة الإمداد الدولي وفي حال تمّ تخريبها، عبر استبعادها عن البرنامج، فإن تصنيع المقاتلات سيتوقف.
فالخوف الأميركي ومن ورائه الشركات المصنعة من نقل أسرار الصناعات لن يثني الدول عن شراء السلاح الروسي، ما يلوح في الأفق سباق تنافسي في عرض السلاح والطلب عليه يفوق سباق تسلح إن لم نقل إنه السباق للتسلح..