وهم مكافحة الفساد…
إيلي عون
يظنّ البعض أنّ الفساد المالي هو كلّ الفساد، وأنّ ساعة مكافحته قد بدأت. والحقيقة أنّ الفساد المالي، على «عظمته»، هو أحد إفرازات الفساد المتأصّل في أساس الكيان. فالفساد داخل في التركيب الجيني لهذا الكيان وفلسفة نشوئه السياسية. فلبنان ليس دولة بالمعنى العلمي والراقي. إنما هو توافق إقطاعات طائفية سياسية تقوم على المحاصصات واقتسام مغانم الحكم بالتناسب وبالتوازن، وكلما تعرّض هذا التوازن للاختلال بانت تصدّعات الكيان وشروخ بنائه. من هنا يستحيل التعرّض لجذور الفساد دون التعرّض للغرض من تكوين الكيان ولأسباب ديمومته «السياسية».
ففساد فلسفة التوافقات الإقطاعية الطائفية أسقطت معنى المواطنة وفتحت شهوة الاستفادة من المحاصصة وحفزت القيّمين على السلطة – كلّ من موقعه – على استنباط أفضل الوسائل التي تتيح له التمكين والاستفادة حتى الثمالة ضمن حدود ما تسمح به التوازنات الإقطاعية الطائفية. أما من يتخطى تلك الحدود فإنما يعرّض المركب كله للخطر، فعندها تتحرك باقي الإقطاعات بعملية إصلاح موضعي من أجل الحفاظ على توازن الفساد. أما عملية مكافحة الفساد فتقتصر على مستوى الموظفين الصغار هنا وهناك والذين يكونون بمثابة «فيوز كهربائي» محروق او «كبش محرقة» ويمكن استبداله دون تعريض التركيبة العامة للخطر. فلو كانت الدولة راغبة وقادرة على مكافحة الفساد لبدأت من شعار «من أين لك هذا؟» ولاستوجب على كافة السياسيين الكشف عن ثرواتهم السائلة والعينية في الكيان وفي الخارج. طبعاً هذا الإجراء لو تمّ لبانت فضائح حجمها حجم الكيان، ومعالجتها تستوجب معالجة فلسفة الكيان ومآله. ومن أتى بـ «فضل» هذه الفلسفة لا يُرتقب منه الثورة عليها.