بعبدا: الحرب على الفساد مستمرّة ولا حصانات لأحد وعلى الجميع المثول أمام القضاء هل يردّ عون على سلوك الحريري في مؤتمر بروكسل بتشكيل وفد «موسكو» وتفاهماتها؟
كتب المحرّر السياسيّ
بدأت نتائج قمة طهران بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني، والتي توّجها لقاء الرئيس الأسد مع الإمام علي الخامنئي، تظهر ميدانياً، بعدما شكلت زيارة الرئيس روحاني للعراق والتفاهمات التي أنتجتها الزيارة شرطاً لترجمة نتائج قمة طهران، فبدأت ملامح تكتل إقليمي يبدأ ثلاثياً بين إيران والعراق وسورية، مرشح للتوسع بشركاء آخرين لاحقاً، قاعدته التعاون الأمني في مواجهة الإرهاب وتأمين التواصل الجغرافي السلس لنقل البضائع وتنقّل الأفراد. وقد جاء الاجتماع الذي ضم رؤساء أركان الجيوش في الدول الثلاث إطاراً لرسم التعاون العسكري في المعركة مع الإرهاب، خصوصاً جيوب داعش على الحدود السورية العراقية، ومقدّمة لتأمين المناطق الحدودية لضمان الأمن لعمليات الربط بشبكات النقل ومنها خطوط سكك الحديد وشبكات الربط الكهربائي وخطوط نقل الغاز والكهرباء، وكلها تحتاج إلى ثبات في الوضع الأمني في المناطق التي ستُقام عليها منشآت لا تسمح أكلافها ولا يمكن ضمان انتظام خدمتها دون الثقة بثبات الوضع الأمني في مناطق إنشائها.
مصادر على صلة بالتنسيق الثلاثي قالت إن قراراً استراتيجياً بالردّ على محاولات العزل التي تتعرّض لها اقتصادات دول المنطقة وتحويلها نحو الاستهلاك، وتركيعها بقوة السيطرة المالية على الحركة المصرفية العالمية من قبل واشنطن، قد اتخذ من قيادات الدول الثلاث، ومحوره تنشيط الحياة الاقتصادية بفتح الأسواق على بعضها البعض وتخفيض فاتورة المستوردات التي تحتاج العملات الأجنبيّة لحساب تبادل بيني تجاري وسياحي وكهربائي ونفطي، ما يتيح ترصيده للمستفيدين المحليين بالعملات المحلية والتحاسب عليه بين الحكومات ومصارفها الحكومية المركزية، وفق مبدأ المقايضة، الذي سيشكل جوهر الآلية الأوروبية للتعامل التجاري والمالي مع إيران، وستستفيد سورية والعراق من قدرات إنتاج الكهرباء الإيرانية والكتل السياحية الضخمة التي تختزنها، إضافة لعدد من الصناعات المتقدّمة والرخيصة كالأدوية والكهربائيات وبالمقابل ستكون السلع الصناعية والزراعية السورية مستفيداً رئيسياً من الأسواق العراقية والإيرانية وسيقصد مئات آلاف السياح الإيرانيين والعراقيين سورية، وسيحصل العراق على كهرباء وغاز بأسعار رخيصة وسلع سورية وإيرانية، وبالمقابل سيجد منفذاً نفطياً على المتوسط عبر سورية ووجهة سياحيّة يقصدها العراقيون تقليدياً.
في لبنان وضع رئيس الجمهورية إطاراً لرؤيته لمكافحة الفساد عنوانها، أن لا أحد له حصانة للتهرّب من المثول أمام القضاء، معتبراً ما تعرّض له من اتهامات، لم يحسمها إلا القضاء مثالاً على هذا الصعيد، ووعد بأن يتم التغلب على التجاذبات التي تولدت عن تباين الرؤى حول هذا الملف، بينما في ملف النازحين سيسلك مجلس الوزراء الخطوات العملية لعودتهم بعيداً عن الضغوط، وجاء كلام الرئيس عون قبيل اجتماع مجلس الوزراء الخميس، وبعد اتصالات بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل أدّت إلى تهدئة سياسية وإعلامية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، والتفاهم على تحييد جلسة الحكومة عن التجاذبات تحت شعار منح الحكومة فرصة البدء بإنجاز وإعطاء الأولوية للإنتاجية، لكن لم يُعرَف ما إذا كان بمستطاع الحكومة عدم التوقف أمام مؤتمر بروكسل والخلاف حوله، شكلاً ومضموناً، أو القفز عن الحماية التي وفّرها وزير الاتصالات محمد شقير لمدير عام أوجيرو لمنع استدعائه من النائب العام المالي علي إبراهيم بعد الكلام الذي قاله رئيس الجمهورية.
وفيما يستعدّ لبنان لاستقبال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو وما معه من ملفات حول الثروة النفطية والنزاع مع «إسرائيل» على ترسيم الحدود البحرية للبنان، وما سيبلغه من مواقف لرئيس الجمهورية عشية سفره إلى موسكو من المبادرة الروسية لعودة النازحين، ومن فرضيات حصول لبنان على سلاح روسيّ، توقعت مصادر متابعة أن يرد رئيس الجمهورية على كلام بومبيو بقسوة، وأن يؤكد البعد السيادي لتعامل لبنان في ملف النازحين وفي ملف الدفاع عن سيادته بوجه الانتهاكات الإسرائيلية الجوية والاعتداءات على ثروته البحرية، وقالت المصادر ربما يردّ الرئيس عون على طريقة الحريري في تشكيل وفد بروكسل ومضمون الموقف من المؤتمر بترتيبات تشكيل الوفد ومضمون الخطاب في زيارة موسكو وتفاهماتها.
اتصالات لاحتواء التصعيد…
تمكنت الاتصالات على خط رئيس الحكومة ورئيس التيار الوطني الحر من احتواء التصعيد الذي اندلع الأسبوع الماضي على خلفية مؤتمر بروكسل، وتمّ التوصل الى ما يشبه الهدنة بين تياري الوطني الحر والمستقبل، فيما تتجه الأنظار الى بعبدا، حيث يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث ستشكل اختباراً للهدنة ومؤشراً على اتجاه العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية من جهة وبين ركني التسوية الرئاسية من جهة ثانية، فضلاً عن اتضاح مدى قدرة الحكومة على إنجاز جدول الأعمال في ظل الخلافات التي تعصف بين مكوّناتها حول جملة ملفات أساسية على رأسها النازحين والفساد.
وإذ أشارت المعلومات الى أن «الوزير جبران باسيل تلقى اتصالاً من رئيس الحكومة سعد الحريري ناقشا خلاله المستجدات الأخيرة وكان الجو إيجابياً وودياً»، علمت «البناء» أن «الوزير باسيل عمّم على أعضاء تكتل لبنان القوي والمسؤولين في التيار الحر بعدم الرد على تيار المستقبل أو التصويب على رئيس الحكومة وذلك انسجاماً مع أجواء التهدئة.
وقد ظهرت مواقف التيارين الأزرق والبرتقالي أمس، الى مناخ التهدئة وترطيب الأجواء، فلفت عضو تكتل «القوي» النائب ألان عون في حديث تلفزيوني إلى أنه «لا خلافات بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» بل هناك اختلاف في وجهات النظر وهذه الامور طبيعية وهناك تفاهمات»، مشيراً إلى أن «الاجتماع بين رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري الاسبوع الماضي كان جيداً».
في المقابل أشارت مصادر بيت الوسط لـ»البناء» الى أن «التواصل قائم بين الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل ولم ينقطع رغم تصعيد المواقف بين التيار الحر وتيار المستقبل»، مؤكدة أن «الاتصالات تمكّنت من احتواء التصعيد وأثبتت الأيام القليلة الماضية ذلك»، لافتة الى «أننا تجاوزنا مرحلة التوتر»، كاشفة أن «الاتصالات تتركز على إبعاد مجلس الوزراء عن الخلافات السياسية وأن لا تنتقل عناصر التوتر الى داخل قاعة المجلس كي لا نصبح في مكان آخر، فلا مصلحة لأحد بنقل التصعيد الى الحكومة لأن ذلك سيؤدي الى عرقلة مصالح البلد والمواطنين وتجميد عجلة الدولة والمؤسسات ما يطيح بالإنجازات التي تحققت منذ التسوية الرئاسية حتى الآن»، منبّهة الى «أننا تأخرنا بتأليف الحكومة تسعة أشهر وعلينا العمل بأسرع وقت للتعويض عن الوقت الضائع بإنجاز ملفات حيوية وأساسية كالتعيينات والكهرباء وغيرها». ولفتت الى أن التصعيد لا يعكس خلافات عميقة بين الحريري وباسيل بل مرتبط بالخلاف على موقف لبنان من مؤتمر بروكسل ومعالجة أزمة النازحين». وإذ حذرت مصادر سياسية من أن تؤدي زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى بيروت الجمعة المقبل من انشقاق اضافي في الموقف الرسمي اللبناني لا سيما في أزمة النازحين وحق لبنان في الثروة النفطية، أوضحت مصادر بيت الوسط أن «الحريري ملتزم بالبيان الوزاري بما خصّ أزمة النزوح والملفات الخارجية»، معتبرة أنه لا يمكن حل أزمة النازحين بالتواصل مع النظام السوري فقط أو عبر المبادرة الروسية بل بالتنسيق مع المجتمع الدولي والنظام الدولي»، موضحة أن التواصل القائم بين لبنان وسورية قادر بالحد المقبول على إعادة النازحين الذين يريدون العودة لا سيما جهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم»، محذرة من الحكم على الحكومة ولم تنهِ شهرها الأول بعد وهي تحاول العمل لتحقيق إنجازات، لكن يجب إبعاد الخلافات السياسية عنها»، مشيرة الى أن «التعيينات تحتاج الى مشاورات اضافية وقد تطرح من خارج جدول الأعمال في جلسة الخميس».
وعن كلام الرئيس ميشال عون حول الفساد لم تر المصادر أنه موجه الى الحريري أو الى تيار المستقبل مشيرة الى أن «لا مشكلة لدى الحريري بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، لكن ضمن الآليات القانونية المنصوصة عليها في الدستور أي المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لأي رئيس أو وزير وليس القضاء العادي»، وأشارت الى أن «العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة جيدة».
عون: لا حصانة على أحد
واستبق رئيس الجمهورية جلسة مجلس الوزراء بجملة مواقف اتسمت بالحسم وبنبرة عالية وتضمنت رسائل في أكثر من اتجاه، وقال خلال إطلاق الحملة الوطنية لاستنهاض الاقتصاد اللبناني: «الفساد السبب الأكبر للضرر في لبنان. هو عاد بالخير على الفاسدين والمفسدين، ولكنه تسبّب بالشقاء لمن يدفعون الضرائب، ولا يتلقون الخدمات اللازمة التي يستحقونها من الدولة. الآن بدأت معركة الفساد، وهذا عهد قطعته على نفسي، وقبل هلال رمضان المقبل، سيكون هناك قسم كبير منه قد صحّحناه. الآن نسمع اعتراضات، ولكن في هذه المعركة ليس هناك حصانة لأحد، وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع. انا اول شخص كنت متهماً في الجمهورية اللبنانية، وكان كلما طرح سؤال على المسؤولين في لبنان عن سبب إبعادي كان الجواب نفسه: إني متهم بملف مالي، والقضاة الموجودون هنا يعلمون جيداً ان الملف فارغ. كنت بريئاً ولم أتوسط لأحد لإظهار براءتي وطالبت التيار الوطني الحر الذي كان يتظاهر بوجه الوجود السوري في لبنان ويقاومه يومياً، ألا يتظاهر لأجل المطالبة ببراءتي التي بيّنها القضاء بعد عودتي الى لبنان». وأضاف: «أنا نموذج لأكبر متّهم في لبنان، وعلى كل متهم ان يمثل أمام القضاء، وإلا نكون أمام مشكلة كبيرة. والشعب اللبناني عليه ان يصبح شعباً مقاوماً. فالمقاومة لا تكون دائماً بهدف الحصول على الحرية والسيادة والاستقلال، وهذه اعتدنا عليها وقدمنا دماً لأجلها، ولكن علينا اليوم أن نقاوم لنحسّن اقتصادنا».
اشار الى ان «ما يشكل خلافاً حالياً، هو مسألة معالجة مشكلة النازحين السوريين، الذين رفعوا نسبة البطالة لدينا، كما رفعوا نسبة الجريمة بمعدل 30 ، حتى صارت سجوننا غير قادرة على الاستيعاب. وزادت بسببهم المشاكل الاجتماعية، ومشاكل البنى التحتية. وأحدثوا ضرراً في السوق التجارية الصغيرة، من خلال المحال التي يبيعون فيها. فاللبنانيون يدفعون الضرائب فيما هم لا يدفعونها. اذاً أصبح النزوح عنصراً مؤثراً سلباً في اقتصادنا ومضراً بمصلحة عمالنا وتجارنا الصغار».
الى ذلك يعقد مجلس الوزراء جلسة الخميس المقبل في بعبدا، على أن يوزع جدول الأعمال اليوم وأشارت مصادر مطلعة لقناة «أو تي في» الى ان «تحديث خطة الكهرباء التي ستطرح يوم الخميس بالحكومة يتضمن بنوداً مهمة لناحية خفض العجز والهدر وزيادة الإنتاج». واوضحت المصادر ان «اللافت بخطة الكهرباء المحدثة سيكون بدء الخروج التدريجي من اعتماد البواخر عن الشبكة».
وعلمت «البناء» أن «فريق رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي و8 آذار سيطرحون خلال الجلسة مع رئيس الحكومة جدوى مشاركة لبنان بمؤتمر بروكسل شكلاً ومضموناً وأزمة النازحين عموماً، لا سيما أن المساعدات المخصصة للبنان هدفها تمديد مدة إقامة النازحين في لبنان وعرقلة عودتهم الى سورية ما يفضح خطة المجتمع الدولي بإبقاء النازحين في لبنان والدول المضيفة لهم مقابل الأموال».
استدعاء كريدية
وعلى خط مكافحة الفساد والهدر والتوظيف العشوائي طلب المدير العام المالي القاضي علي إبراهيم الإذن بملاحقة الرئيس/ المدير العام لهيئة «اوجيرو» عماد كريدية بناء على التحقيقات التي أجراها في ملف المخالفات المرتكبة في هيئة «اوجيرو» ولا سيما في التوظيف غير القانوني، إلا أن وزير الاتصالات محمد شقير رفض إعطاء الإذن بملاحقته، وفي سياق ذلك انتقد عضو اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين النائب جهاد الصمد تصرّف شقير، داعياً اياه الى إعطاء الإذن بملاحقة كريدية في القضاء، وتوجّه إليه بالقول: «سأزودك ما لدي من معطيات وحقائق تعود الى فترة السنتين اللتين لا تعرفهما ولن نحملك المسؤولية عنهما، ولا ينبغني لك ذلك، خصوصاً أنك حديث عهد في مهمتك الحالية».
وكانت لافتة الأرقام التي كشفها الصمد حول «فساد وهدر كبير في هيئة أوجيرو، ومخالفات فاضحة ارتكبها كريدية منها توظيف 453 مياوماً في الهيئة بعد صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب وبلغ عدد التوظيفات 1043 مياوماً منذ ان تسلم مهماته في الهيئة».
وكان هذا الملف محط متابعة في لجنة المال والموازنة في جلستها أمس، برئاسة النائب إبراهيم كنعان، الذي أكد أن «الموضوع ليس سهلاً أبداً لتداخل السياسة والمصالح فيه»، وقال: «الجميع يرى الردود والردود المضادة على أي وزير من هذا الطرف او ذاك، من دون النظر موضوعياً الى ما يعرض. علما ان الملف لا يجب أن يكون حزبياً أو طائفياً. فثلث العجز في الموازنة ناتج عن الحجم المنفوخ للملاك والادارات والمؤسسات العامة. وعندما نتحدث عن 10 آلاف شخص جرى توظيفهم او التعاقد معهم خلال سنة، فهناك مشكلة، وعندما يصل عدد الموظفين في الإدارة والقطاع التربوي الى 99 الف شخص، ويجري توظيف 10 آلاف شخص إضافي، يعني ان هناك مشكلة. والسؤال الذي يطرحه الرأي العام: أتريدون إيقاف هذا المسار ام الاستمرار به؟».
خليل
على صعيد آخر، وبعدما خرج الخلاف بين رئيس المجلس الأعلى للجمارك والمدير العام الى العلن وبات يهدّد عمل الجهاز وإنتاجيته وسط معلومات تؤكد تراجع واردات الجهاز من الرسوم الجمركية بحسب وزارة المالية، وعقد وزير المال علي حسن خليل اجتماعاً مع رئيس المجلس العميد أسعد الطفيلي وعضوَي المجلس هاني الحاج شحادة وغراسيا القزي والمدير العام بدري ضاهر، بعد استدعائهم لجلسة مناقشة ومصارحة بالمشاكل الحاصلة بين المجلس الأعلى والمدير العام للجمارك. وإذ أشارت المعلومات الى أن الاجتماع لم يخرج باتفاق على حدود صلاحيات طرفي الخلاف، هدّد وزير المال بعد الاجتماع برفع الأمر الى مجلس الوزراء، وقال «يجب احترام القرارات والتعميم وإذا بقيت المشكلة انا مضطر أن أرفعها الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب»، مضيفاً «أنا بصدد اتخاذ تعيمم يتم بموجبه توضيح الصلاحيات المحددة بموجب القانون بعد الخرق الكبير للصلاحيات كل من طرفه والاجتهادات القانونية».