اجتماع دمشق… رسائل ثلاثية مؤكدة!
فاديا مطر
لم يكشف اجتماع رؤساء الأركان لسورية والعراق وإيران في دمشق كلّ التفاصيل، لكنه وضع النقاط والخطوط للمرحلة المقبلة في حيّز الاتصال الذي بات يشكل العبء الأقوى على كاهل واشنطن وحلفائها في المنطقة، لجهة تأكيد الخسارة الأميركية والضبط الكامل للخطى التركية وتنقيح التفاهمات التي بعثت رسائلها زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران في 25 شباط الماضي، والتي تلتها زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق في 12 آذار الحالي، واللتين اعتبرتا زيارتي تحديد النقاط واستكمال المرحلة، فالرسائل كثيرة وجدية في فرض السيادة السورية على كامل أراضيها لتعزيز التكامل الإقتصادي والسياسي، وهي مرحلة دخلت حيّز التنفيذ الميداني في منطقة إدلب التي وضعت فيها أنقرة ما بين قوسين لتطبيق إتفاقيات «سوتشي» المعدّلة والتموضع الجدي في معادلة طهران ـ بغداد ـ دمشق، والتي لم تغب عنها موسكو لا في الشكل ولا في المضمون، وفي المقابل هي خطوة تضع واشنطن ومن ورائها «إسرائيل» في وضع «المنصرم» بعد غياب قدرة تعديل المعادلات الحدودية والأمنية في الإقليم وتحجيم دور الحلفاء الأميركيين في مساحات ضيقة لا تتعدّى ضيق جيب داعش الأخير في الباغوز التي أعلنت ميليشات «قسد» السيطرة عليها، فالاختيارات بقيت قيد الساعة الصفر بالنسبة للكرد المتحالف مع واشنطن، وأقلها يحتجز أنقرة في العلاقة مع الإقليم وفي تهديدات المنطقة العازلة والعملية العسكرية في شرق الفرات وتفاهمات الدور الضامن مع موسكو وطهران في تحديد مستويات الإلتزام، فالتفاصيل تحدّد المعايير في الغياب الغربي عموماً عن مشهد الإقليم المحترق في بدء عملية إدلب العسكرية وتأمين منطقة شرق الفرات التي تعجّ بالتدخلات والتقاطعات التي تراجع في قراراتها عدة مرات كلّ من أردوغان وترامب في دراماتيكية الإنسحاب والتموضع العسكري إنْ كان في العراق أو في سورية، وهنا يأتي الإجتماع الثلاثي بالزي ّ»العسكري» في دمشق في موضع المحدّد لمرحلة تحمل في أهدافها تغيّرات تطال حتى دول الجوار في خارج الشرق والشمال وتفرض أجندة تصرفات جديدة على كلّ من لبنان والأردن، ومعادلة حدود وجو جديد بالنسبة للكيان «الإسرائيلي» الذي يقف خارج قدرة التصرف حالياً في مشهد أصبح خارج نطاق سيطرته أو تهديداته، وهي المرحلة التي أحكمت طوقها موسكو من قريب وبعيد…
فالاجتماع الثلاثي في دمشق حمل عدة رسائل استراتيجية لا تملك فيها أنقرة وواشنطن الوقت الكثير بعد مطالبة العراق البرلمانية بالخروج العسكري الأميركي من أراضيه وتموضع «الحشد الشعبي» كقوة وطنية صاحبة قرار وفاعلية فيه، وما يحدّ ذلك من تغيّر في معادلة الحدود السورية ـ العراقية والتي تفتح الطريق أمام تدفق اقتصادي من طهران وشرق آسيا عبر العراق الى سورية يكسر حزام واشنطن في العقوبات الإيرانية ويفتح الباب بالكامل على تنامي اقتصادي يضاف الى هزائم الغرب في إحكام طوق تخفيض السقوف السياسية والعسكرية التي تداهم في اجتماع دمشق كلّ معادلات الغرب وضماناته الإقليمية والدولية…
هذا… ولم يكن لأنقرة القدرة البراغماتية في تمديد مهلة الحسم سابقاً حتى تحافظ عليها لاحقاً في تدوير مجموعاتها الإرهابية في شمال سورية ومحاولة استخدامها في الشرق بعد انتهاء «داعش» في آخر جيب، فالتباطؤ في تحديد المسارات الغربية يضع كلّ من واشنطن وأنقرة ومن ورائهم «حزب العمال الكردستاني» في دائرة النار بحسب تصريح وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب في 18 آذار الحالي بأنّ السيادة السورية على كامل الأراضي السورية ستكون عبر السلم أو الحسم، وهو كلام واضح يضع الساعة الصفر باليد السورية في معادلة الداخل التي تحكم فيها استراتيجية إقليمية متفاهمة لدرجة «الزي العسكري»، والتي ترسم دمشق حدودها التي ستغيّر معادلات كثيرة أصبحت معدلة من طرف «دمشق» حصراً، وهي معادلات باتت فيها قوى تحالف أبعد من حدود طهران وتفتح باب المتوسط على كلّ الاحتمالات التي سبق وجرّبتها قوى كانت تخفي التحالفات وراء الطاولات، فأيّ تغيّرات ستقرأها دول العدوان في ما تبقى من وقت؟ وأيّ أهداف باتت مفروضة أن تطأ الطاولة الإقليمية والدولية في ظلّ متغيّرات جدية لا تملك الوقت الكافي لتفرض نفسها من جديد؟ فالتفاصيل التي كتبتها دمشق ميدانياً وسياسياً أصبحت الساعة التي تضبط إيقاع الكثيرين ممن تأخروا في قراءة المشهد…!