عون اهتمّ بالنازحين… وبرّي ركّز على النفط… وباسيل لملف حزب الله 14 آذار لم تنجح بتعويض الفشل السياسي… واكتفت بالنميمة على الحريري
كتب المحرّر السياسيّ
ربما لم يتوقّع المبهورون بالقدرة الأميركية الخارقة أن تنتهي زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى بيروت كما انتهت عملياً بوقوفه لأكثر من دقيقة وهو ينتظر في مكتب رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه معاونوه ومرافقوه والسفيرة الأميركية في بيروت، أمام عدسات المصوّرين، ريثما دخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. واختصار هذه الواقعة لمضمون الزيارة التي ستستمر حتى اليوم دون جدول أعمال يغيّر من صورة الأمس، ويمكن التعرف من طبيعة الكلام الصادر عن بومبيو على الطابع الاستعراضي والإعلامي للزيارة، حيث التركيز على اتهام حزب الله بالإرهاب والتسبّب بالخطر على مصالح لبنان أمام الكاميرات لا يعبر عما جرى في الاجتماعات، التي فرض الجانب اللبناني جدول أعمالها، مع تكرار اللازمة ذاتها لجهة مكانة حزب الله الداخلية كحزب لبناني وازن، منحه اللبنانيون تصويتهم في الانتخابات النيابية كأكبر حزب لبناني، وكذلك لتوصيف مقاومته للاحتلال كتعبير عن وطنية لبنانية لا يقبل اللبنانيون اعتبارها إرهاباً.
توزّعت المواقف التي تمّت مناقشتها مع بومبيو ولم تلق منه جواباً شافياً، على ما قدّمه رئيس الجمهوريّة من عرض مفصل مرفق بالجداول والخرائط حول ملف النازحين، ودعوته الواضحة لتحرير العودة من أي شروط مسبقة، وطلب مساعدة واشنطن لتسهيل مساعي العودة وحث الأمم المتحدة ومنظماتها على المساعدة في التشجيع على العودة الآمنة بدلاً من العودة الطوعية أو المشروطة بالحل السياسي، وكان كلام بومبيو الجوابي وفقاً لمصادر متابعة بعيداً عن مستوى الحرفية الذي رافق عرض الملف من رئيس الجمهورية والفريق المعاون، فاقتصر كلامه على النيات الطيبة والوعود بفعل الممكن لمساعدة لبنان وتقدير ظروفه الصعبة، والحاجة لدراسة أي مقترحات عملية قبل البتّ بها.
في عين التينة، وفقاً للمصادر ذاتها، تولّى رئيس مجلس النواب شرح المخاطر المترتبة على الاستقرار الإقليمي إذا بقيت المساحات البحرية التي تختزن الثروات النفطية دون ترسيم، تعتمده الأمم المتحدة، حيث كل طرف سيبادر لطرح المناطق نفسها للتلزيم، وسيكون التوتر طبيعياً ومخاطر الانزلاق إلى المواجهة يصير نتيجة متوقعة. وفي مثل هذه الحالات يكون لبنان بحاجة لقدرات المقاومة ليوازن القوة الإسرائيلية، والتساؤل عن سبب سلاح حزب الله وعن نفوذ حزب الله، جوابه هنا، حيث يتلكأ العالم في حماية حق لبنان واللبنانيين، تصير المقاومة ضرورة وطنية، واستعرض بري المراحل التي مرّت بها مساعي الترسيم البحري والبري للحدود، وتراجع الاهتمام الأميركي بحل منصف، بعيداً عن الصيغ التي تقوم على مشاريع تسويات وصفقات غير مبنية على ترسيم علمي يحسم الحقوق ويبيّنها. وتقول المصادر إن بومبيو وعد بتحريك الاهتمام بملف الترسيم دون أن يحدد تكليفاً معيناً أو يقدم وعداً أو موعداً محدداً.
في قصر بسترتس كان لوزير الخارجية توقف أمام كل الملفات، لكن التركيز كان على مكانة حزب الله كمكوّن لبناني رئيسي يحظى بشعبية واسعة وتمثيل برلماني وحكومي، وباحترام القوى السياسية التي تلتقي على رفض توصيفه بالإرهاب، وتأكيد أن تضرر لبنان من العقوبات المفروضة على حزب الله تهدّد اقتصاده ونظامه المصرفي.
لم تجرَ لقاءات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيروت كما يشتهي لا سيما في محطات بعبدا وعين التينة والخارجية، حيث سمع بومبيو من رئيس الجمهورية ميشال عون موقفاً واضحاً وصريحاً لا لبس فيه أن حزب الله هو حزب لبنانيّ منبثق من قاعدة شعبية تمثّل واحدة من الطوائف الرئيسية في البلاد، كذلك الحال خلال لقائه الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل. الأمر الذي دفع الوزير بومبيو الى مغادرة قصر بعبدا منزعجاً ومتوتراً من دون الإدلاء بأي تصريح ومن دون تدوين أية كلمة على السجل الذهبي.
وخلال اللقاء، سلّم الرئيس عون بومبيو خريطة تُظهر كثافة انتشار النازحين وتوزعهم في المناطق كافة. وطالبه بـ «مساعدة بلاده لإعادة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سورية»، لافتاً إلى أن «لبنان الذي استقبل أكثر من مليون و500 ألف نازح سوري على أراضيه، لم يعد قادراً على تحمل التداعيات التي سبّبها هذا النزوح على جميع قطاعات الحياة»، ومؤكداً أن «عمليات تنظيم العودة التي يتولاها الأمن العام سوف تستمر».
وخلال المحادثات قدّم اللواء إبراهيم تقريراً مفصلاً عرض فيه الآلية التي يعتمدها الأمن العام لتنظيم عودة النازحين منذ أيار الماضي حتى يوم أمس الخميس. وقد بلغ عدد العائدين 175 ألف عائد وأن الأمن العام مستمرّ في تنظيم هذه العودة سواء أكانت فردية أو جماعية ويتابع عن قرب أوضاعهم في مناطق وجودهم ولم يتبلّغ حتى الساعة أي معلومات عن تعرّض هؤلاء العائدين أي ضغوط». وأكد عون «التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 للمحافظة على الاستقرار بالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية براً وبحراً وجواً».
وكان لقاء رئيس مجلس النواب ووزير الخارجية الأميركي تناول أهمية الحفاظ على الاستقرار في لبنان وضرورة معالجة الحدود البحريّة والتي تشمل المنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث أعرب بومبيو عن رغبة بلاده في المساعدة مع جهود الأمم المتحدة لمعالجة هذا الوضع على أن يبدأ الحل بالحدود البحرية. كما تركز البحث على العقوبات الأميركية على حزب الله وتداعياتها السلبية على لبنان واللبنانيين. وأكد بري في هذا المجال أن القوانين التي أقرّها المجلس النيابي اللبناني تطابق القوانين الدولية وتؤمن الشفافية في التداول المالي على الصعد كافة. وشدّد على أن حزب الله هو حزب لبنانيّ وموجود في البرلمان والحكومة، وأن مقاومته واللبنانيين ناجمة عن الاحتلال «الإسرائيلي» المستمر للأراضي اللبنانية.
وأجرى بومبيو محادثات مع رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي، حيث تناولت آخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وفيما تردّدت معلومات مفادها أن لقاء بومبيو مع الوزير جبران باسيل لم يكن إيجابياً، بحسب توصيف الوزير الأميركي الذي زعم بومبيو خلال المؤتمر الصحافي أن حزب الله «يقف عائقاً أمام أحلام الشعب اللبناني طيلة أكثر من ثلاثين عاماً.. وهو يتحدّى الدولة من خلال جناحه العسكري وتحكّمه بقرار الحرب والسلم»، أبلغ باسيل نظيره الأميركي الذي لا يريد أن يسمعه أن حزب الله «حزب لبناني وليس إرهابياً ويتمتع بدعم شعبي كبير ولديه نواب منتخبون». ولفت إلى أن «لبنان يرغب بعدم التدخل بشؤون الآخرين كي لا يتدخّل الآخرون بشؤونه». وأضاف باسيل «أمام لبنان فرصة لاستعادة حقوقه وتحقيق نصر سياسيّ ودبلوماسيّ من خلال ترسيم الحدود البحرية». وأشار إلى أننا «شرحنا للوزير بومبيو خطر ملف النازحين على وجوديّة النموذج اللبناني الفريد».
وفيما استهلّ بومبيو لقاءاته مع وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن في سابقة لم تعرفها زيارات وزراء الخارجيّة الأميركيين إلى لبنان وزار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وعقد لقاء مع رئيس حزب القوات سمير جعجع، شارك في مأدبة عشاء أقامها على شرفه النائب ميشال معوض، كان لافتاً غياب وزراء حزب القوات والنائب جورج عدوان عنه بسبب استيائهم من مواقف معوّض الأخيرة من القوات، وبرز ايضاً اعتذار النائب ياسين جابر عن المشاركة في العشاء.
وأشارت مصادر السراي لـ«البناء» إلى أنه جرى عرض تفصيلي لأوضاع المنطقة من كل جوانبه، حيث أكد بومبيو أن الولايات المتحدة تتابع أدوات الضغط من دون توقف على المنظمات التي تصنفها بأنها تابعة لإيران ومنها حزب الله، مضيفاً أن أميركا حريصة ومتمسّكة بدعم لبنان ومؤسساته والاقتصاد اللبناني. أما الحريري، فأكد بحسب المصادر، أن لبنان ملتزم بيان الحكومة اللبنانية لجهة النأي بالنفس والابتعاد عن الصراعات الخارجيّة وطالب باستمرار الاهتمام بدعم لبنان وأن لا تمسّ أي إجراءات سائر القطاعات ومنها القطاع المصرفي. وأشارت المصادر إلى أن البحث تناول مؤتمر سيدر وضرورة استمرار دعم لبنان لتنفيذه.
وشدّدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه حزب الله تصعيدية، وبالتالي فإن المواقف التي سمعها في لبنان حول أن حزب الله قوة سياسيّة وشعبيّة وممثل في البرلمان والحكومة لن تغيّر في جدية الموقف الأميركي تجاه حزب الله، مشدّدة على ان الحكومة اللبنانية عليها الأخذ بعين الاعتبار التحذيرات الأميركية والتصرف وفق المصلحة اللبنانية والاقتصاد اللبناني وبالتالي الالتزام بسياسة واشنطن تجاه العقوبات على إيران وحزب الله، لافتة الى أن الرئيس الحريري يجهد لحماية الاستقرار الداخلي.
وفي هذا السياق، رأت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» أن بومبيو سوف يطلب من حلفائه في لبنان أن يكونوا شركاء في التضييق على حزب الله داخل مؤسسات الدولة، ومواصلة المواقف التصعيدية لتعطيل التواصل مع سورية في ما خصّ ملف النازحين. وشدّدت المصادر على أن بومبيو سيغادر لبنان منزعجاً من التصدي اللبناني الرسمي الذي عبر عنه الرئيس ميشال عون والرئيس بري والوزير باسيل لسياسات واشنطن تجاه حزب الله، وتجاه ملف الترسيم الحدود، من منطلق أن لبنان باقٍ على موقفه من عدم الفصل في ترسيم الحدود البرية والبحرية والحفاظ على أرضنا وحقوقنا النفطية.
أما مصادر بعبدا فأكدت لـ«البناء» ان الرئيس عون أكد أمام بومبيو الثوابت اللبنانية وضرورة حل ملف النازحين من دون ربطه بالحل السياسي، مشيرة الى أن اللقاء تناول العلاقات بين لبنان واميركا وموضوع تسليح الجيش اللبناني وترسيم الحدود على قاعدة أن لبنان متمسك بحقوقه ولن يتنازل عنها، لافتة الى أن بومبيو سمع كلاماً رئاسياً مفاده ان لبنان لن ينخرط في أي تحالف ضد إيران.
وحضرت أزمة النزوح في موقف للرئيس ميشال عون خلال رعايته وحضوره افتتاح مؤتمر البحر الأبيض المتوسط الـ22 لجمعية أندية الليونز الدولية، أكد فيه أن التحدي الأصعب الذي فرضته حروب المنطقة على لبنان يبقى أزمة النازحين السوريين التي تحوّلت مشكلة تتخطّى قدرته وإمكاناته على تحمل الأعباء الناجمة عنها من جميع النواحي، لا سيما الضرر اللاحق بالبيئة لعدم توفّر بنى تحتية لاستيعاب مليون ونصف مليون نازح على أرضٍ صار معدّل السكان فيها 600 في الكيلومتر المربع الواحد.
وعقدت لجنة المتابعة المنبثقة من اللقاء النيابي الماروني الموسّع اجتماعها الثاني، برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي في الصرح البطريركي في بكركي. وركّز المجتمعون نقاشَهم على موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم وتوصلوا الى تصوّر موحّد حياله. وقرروا نقل نتائج لقاء اليوم الى الكتل النيابية التي يمثلونها تمهيدًا لعرضها في لقاء موسّع يُعقد لاحقًا في بكركي ويُخصص حصرًا لموضوع النازحين السوريين. وبحسب مصادر المجتمعين لـ«البناء» فإن توافقاً حصل حول ضرورة عدم ربط عودة النازحين للحل السياسي غير الواضح المعالم، وأهمية عودتهم سريعاً، مع تباين في بعض المواقف التي لم يجر التوقف عندها كثيراً لا سيما أن الأساس تمثل بإجماع ممثلي الكتل النيابية المارونية على أن النزوح السوري بات يشكّل خطراً على الكيان والهوية. ولفتت المصادر إلى أن ملف النازحين استحوذ على وقت النقاش، ولم يتمّ البحث في الوجود المسيحي في إدارات الدولة، وبيع الأراضي من قبل المسيحيين.
الى ذلك، يُقام اليوم عند الرابعة من بعد الظهر قداس التوبة والمغفرة برعاية الرئيس العماد ميشال عون ومباركة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في كنيسة سيدة التلة في دير القمر، بمشاركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وسط هذه الأجواء، لفت السفير السعودي وليد بخاري إلى «أننا نتوقّع صيفاً محفوفاً بكل المحبة والأخوة. كل المؤشرات إيجابية تدل الى استعدادات من قبل الحكومة، والرئيس سعد الحريري شكّل لجنة خاصة لمتابعة كل الاحتياجات لجذب السياحة الخليجية والعربية».