لا مكان لليانكي في فنزويلا وحلف المقاومة اللاتيني يتقن فنّ النصر…
محمد صادق الحسيني
حالة من الهستيريا تنتاب الرئيس الأميركي وإدارته ومستشاريه من المحافظين الجدد وعلى رأسهم الصهيوني جون بولتون، في هذه الأيام بسبب تطورات ومفاجآت الصمود الفنزويلي العظيم والذي يعود برأي المراقبين إلى ما يلي :
ـ فشل هذه الإدارة في إسقاط الدولة الوطنية الفنزويلية، عبر تنصيب جاسوس أميركي كرئيس لفنزويلا، بدلاً عن الرئيس مادورو المنتخب من الشعب ديمقراطياً ودستورياً، عبر تلك الحركة البهلوانية، التي تمثلت في قيام هذا الجاسوس غوايدو بتنصيب نفسه رئيسا بدلاً عن الرئيس الشرعي.
ـ فشل الإدارة الأميركية في شق الجيش وخلق حالة فوضى خدمة لهدف تدمير الدوله الفنزويلية الشرعيه وإحلال مجموعة من الجواسيس مكان الحكومة الشرعية خدمة للولايات المتحدة في السيطرة على خيرات البلاد النفطية والمعدنية، خاصة الذهب.
فشل الإدارة الأميركية في الوصول الى هدفها بواسطة حملة «المساعدات الإنسانية» التي حشدت لإدخالها بالقوة عبر الحدود مع كولومبيا، تلك «المساعدات» التي لم تحمل من ذلك إلا الاسم لأنها كانت أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية مرسلة لتسليمها لمجموعات من المرتزقة التي كان من المفترض إدخالهم الى فنزويلا عبر الحدود مع كولومبيا شرقاً والبرازيل جنوباً…
أما عملية الكشف عن وصول طائرتين عسكريتين روسيتين الى فنزويلا قبل أيّام، وعلى متنهما ما يقارب المئة مستشار عسكري روسي وبعض التجهيزات العسكرية الخاصة، فكانت بمثابة الضربة القاضية للحملة الأميركية المسعورة ضدّ فنزويلا ورئيسها الشرعي، نيكولاس مادورو، خاصة أنّ الإدارة الأميركية، وبعد تقييم للوضع العسكري الفنزويلي ولأوراق القوة التي يملكها الرئيس مادورو، قد توصّلت الى قناعة راسخة باستحالة القيام بأيّ عمل عسكري، لا مباشر ولا غير مباشر، ضدّ فنزويلا، ويرجع ذلك الى العوامل التالية:
أ امتلاك فنزويلا لجيش قوي عقائدي ومتماسك، كثير الشبه مع الجيش السوري، وهو مستعدّ للتصدي لأيّ عدوان على سيادة بلاده.
ب امتلاك هذا الجيش ما يكفي من الخبرة العسكرية والإمكانات التسليحية، والتي ليس آخرها منظومات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز «أس 300» و «أس 400» الأكثر تطوّراً والقادرة على رصد أهداف على بعد ستمائة كيلومتر.
ج امتلاك الجيش الفنزويلي أفضل طائرة سيطرة جوية / تفوق جوي / في العالم، ألا وهي طائرة سوخوي ٣٠ أم /ك / ٢ SUCHOI 30 MK 2 والتي تتمتع بقدرات قتالية لا مثيل لها واهمّها صواريخ جو /جو التي تحملها وتستطيع إطلاقها على أهداف جوية طائرات أو صواريخ مجنّحة معادية حتى مسافة مائة وثلاثين كيلو متراً. أي انها قادرة على الدفاع عن المجال الجوي الفنزويلي حتى عن بعد مئات الكيلومترات خارج هذا المجال وقبل ان تصله الطائرات او الصواريخ الأميركية.
د امتلاك دول «حلف المقاومة» في أميركا الجنوبية، فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية التي يمكن تحريكها ضدّ الولايات المتحدة وعملائها في تلك القارة. ومن بين هذه الأوراق الهامة، على سبيل المثال لا الحصر، حركة «القوات المسلحة الكولومبية – جيش الشعب، المعروفة باسمها المختصر «فارك وهو الاسم الإسباني لهذه الحركة : Fuerzas Armadas revolutionarias de Columbia / ejercito del Pueblo.
هذه الحركه، الماركسية اللينينية المعادية للولايات المتحدة، التي وقعت اتفاقية سلام بينها وبين الحكومة الكولومبية في شهر حزيران 2017 في هافانا وبرعاية كوبا، قادرة على قلب الطاولة على رأس ترامب والعودة الى العمل المسلح ضدّ حكومة كولومبيا، العميلة للولايات المتحدة وغيرها من دول أميركا الجنوبية، وبالتعاون مع حركات مشابهة في العديد من دول القارة، وخلق فيتنام جديدة للولايات المتحدة ولمدة عقود من الزمن. الأمر الذي يعني، بكلّ بساطة، منع الولايات المتحده من تحقيق أهدافها، في السيطرة على ثروات فنزويلا وغيرها من دول أميركا الجنوبية. وهو ما يشكل نصراً لفنزويلا ولكلّ القوى المعادية للهيمنة الأميركية على ثروات ومقدرات الشعوب في العالم.
في هذه الأثناء فإنّ المطلعين على تاريخ الاستعمار الأميركي الامبريالي يعتقدون بأنّ تحركات الإدارة الأميركية الحالية ضدّ فنزويلا الحالية تعود جذورها الى القديم من صراعات القوى الاستعمارية.
والأزمة التي خلقتها الولايات المتحدة وعملاؤها في فنزويلا حديثاً هي في الواقع جزء من الصراع الدولي، الدائر بين القوى العظمى مثل الصين وروسيا وإيران والهند الى حدّ ما ، مع الولايات المتحدة الأميركية على إعادة تشكيل قيادة العالم، بمعنى إنهاء سيطرة القطب الواحد، أيّ الولايات المتحدة، على العالم وتشكيل خارطة علاقات دولية جديدة، تستند الى القانون الدولي، الذي هو أساس لكلّ تعاون سلمي بين الدول. وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة.
أما جذور الأزمة فتعود الى ما يطلق عليه عقيدة مونرو، التي أعلنها الرئيس الأميركي جيمس مونرو سنة 1923، والتي تنص على انّ النصف الغربي من الكرة الأرضية هو منطقة نفوذ أميركية ويجب منع دول «العالم القديم» في أوروبا من العودة لاستعمار القارة الأميركية الجنوبية بشكل خاص، وذلك لضمان إمكانية ممارسة الولايات المتحدة لسياستها التوسعية في تلك القارة دون منافسة أوروبية، أيّ استبدال الاستعمار الأوروبي بآخر من الولايات المتحدة الأميركية، في واقع الأمر، رغم ادّعاءات الرئيس مونرو آنذاك بأنّ الهدف من هذه السياسة الأميركية الجديدة هو الحفاظ على استقلال دول أميركا اللاتينية التي استقلت عن اسبانيا والبرتغال في ذلك الوقت.
بينما كانت الحقيقة تكمن في مكان آخر تماماً، ألا وهو توجه الولايات المتحدة إلى تعزيز سيطرتها على تلك القارة، خاصة أنها كانت تخشى إعادة فرض السيطرة الأوروبية عليها بعد قيام المانيا مملكة بروسيا والنمسا وروسيا بعقد اتفاقية أطلق عليها اسم: التحالف المقدّس Holly Alliance، ذلك الحلف الذي كان يهدف الى اقتسام النفوذ والسيطرة، على أميركا الجنوبية، بين هذه الدول وكلّ من اسبانيا والبرتغال.
من هنا نلاحظ انّ هناك جذوراً تاريخية لسعي الولايات المتحده الأميركية لفرض سيطرتها ليس على فنزويلا فحسب وإنما على كلّ القارة الأميركية الجنوبية. وما الموقف النزق وغير المألوف في العلاقات الدولية، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة وأرفقته بتهديدات مباشرة لروسيا، على خلفية إرسال الحكومة الروسية لعدد من المستشارين العسكريين الروس الى فنزويلا قبل أيّام، إلا دليل على فشل أحلام الولايات المتحدة في إعادة فرض سيطرتها على فنزويلا، التي تملك أكبر احتياطي نفط في العالم، في الوقت الذي نجحت فيه روسيا والصين بنسج علاقات تعاون متينة ومستندة الى قواعد القانون الدولي، في مجالات السياسة والاقتصاد والتعاون العسكري التقني، مع فنزويلا، وليس على قاعدة استعمار فنزويلا أو غيرها.
تأسيساً على ما تقدّم نستطيع القول: لقد قضي الأمر. وانتصرت إرادة الشعب الفنزويلي، في اتخاذ قرار التصدي للعدوان الأميركي السافر ضدّ بلاده، وهو القرار الذي سيتكلل بالنصر النهائي ودحر قوى العدوان الأميركية وأذنابها المحليين، سواء في فنزويلا او في غيرها من دول أميركا الجنوبية، خاصة أنّ اليانكي الأميركي قد تأكد بالدليل الملموس انّ السيطرة على الأرض، عبر الجيش وقوات الدفاع الشعبية، وفِي الجو عبر طائرات سوخوي 30 للتفوق الجوي وأنظمة الدفاع الجوي «أس 300 و «أس 400» هي فقط في أيدي الرئيس الشرعي والمنتخب من الشعب الفنزويلي، الرئيس نيكولاس مادورو، الذي سيقود البلاد في مواجهة سلاح الحصار والعقوبات ويرفع الظلم عنه بالتعاون مع روسيا والصين وغيرها من الدول الرافضة للهيمنة الأميركية في العالم.
وما النصر إلا موقف وإرادة حازمة وفن الصعود الى القمة بالقدرات الداخلية الوطنية أولاً!
بعدنا طيبين قولوا الله…