ماذا نقول فيكم وأنتم تتسابقون إلى العمالة؟
د. رائد المصري
بهدوء… فالمُعادلة الحسابية التي يُقيمها أغْلب العرب هذه الأيام تُثير الاستغراب، فيُضَمُّ الجولان وتتهوَّد فلسطين والقدس وفي يوم الأرض يجتمع النِّظام الرَّسمي العربي في قمَّة تونس العربية ليندِّدوا وقوفاً وقعوداً بالقرارات الأميركيّة، من دون أنْ تُدعَى سورية إلى القمَّة لحضورها والتي أُخْرِجَتْ منها عنوة بقرار نواطير النفط والكاز، ويريدون منَّا تقديس عكاكيزهم التي ضجِرت منهم ومن عمالتهم وهم يحطُّون من على أدراج طائراتهم الخاصة وزياراتهم المتكرِّرة لأجْل العمل العربي المشترك.. إنها أكبر مأساة إنسانية في التاريخ مرَّت على الشعب العربي السَّليب في حقوقه وتنميته ومقدَّساته الدينية والدنيوية…
لا تجعلوا من يوم الأرض ذكرى سنوية يُحْييها الفلسطيني والعربي الصامد كل عام، فكلُّ يوم لدينا هو يوم للأرض، في فلسطين وخارجها لأنَّ الحقَّ العربي والأرض العربية والانتهاكات المُرتكبة للمستعمرين الغربيين والصهاينة وأدواتهم الوظيفية من بقايا شيوخ ونواطير في النظام الرَّسمي العربي هي كبيرة جداً توازي نكْبة فلسطين وضمَّ الجولان وتهويدَ القدس، إنَّها خيانة التاريخ والدين والحضارة: فالخيانة هي الغَدر وإخفاء الشيء وهي عَكس الأمانة، وهي نقصان في الوَفاء وتفريط الإنسان في حقوق الغير التي تحت يديه ماديَّة كانت أو معنوية أو تبديدها..
والخيانة تعني الاستِبداد بما يُؤتمَن عليه الإنسان من الأموال والأعراض والحرُم. وهي تعادل النِّفاق بما يخصُّ العهد والأمانة والنِّفاق يتعلَّق بالدِّين ثمَّ يتداخل معه، لأنَّ عنصر الخيانة يقوم به بشكْل أساسي شخص بخدمة دولة أجنبيَّة ويتعهَّد مصالحها على حساب مَصلحة دولته التي يَنتمي إليها، ما يؤدِّي إلى المَساس بأمْن بلَده واستقراره، أو الإضرار بمركزه السياسي… أليس هذا هو حال بعض أو أغلب النِّظام الرَّسمي العربي فيما آلت إليه أحوال الأمة؟
لا تخدِشوا حياء بعض أركان ورموز النِّظام الرَّسمي العربي بوصفهم عملاء أو متآمرين، ولا تَمسُّوا إحساس النُّخب المثقَّفة التابعة لهذا النِّظام المتكلِّس، الليبراليون منهم أو اليسار العربي المشوَّه بحوامله البرجوازية الحالمة، التي تنمو وتنتشر وتتوسَّع دوائرها في الأزقَّة العربية فيفيضوا نظريات علْمية بالسِّياسة والفنِّ وترتيب بُنى المجتمعات الفوقية باسم الواقعية السياسية والترويض أمام المستعمرين، والحضِّ على الترويج لنظرية التفوُّق الغربي و»الإسرائيلي»، وآخرها كانت علكة بيع الجولان بعد بيع أرض فلسطين.. فهؤلاء هم النّواة والبذرة لإنشاء أخطر خلايا الأورام الخبيثة التي لا زالت تنهش في الجسد العربي إلى يومنا هذا وهناك من يقوم بتجديدها في كلِّ عام…
لن تشفع لكم إداناتكم بعد اليوم لناحية ما ارتكبته أياديكم بحقِّ الشعوب العربية ومقدَّساتها وحقوقها القومية تواطؤاً مع المستعمرين الغربيين، فما زلْتم تعيشون طور تداعيات الهزيمة الحضارية أمام العدو الصهيوني، ولم تتَّخِّذوا من أنموذج المقاومات حجَّة تواجهون بها أعداء الأمَّة ولو مرة واحدة، وتتسلَّحون بها وقت الشدَّة والعَوَز لتحصيل الحقوق وحماية المقدسات وطرد المستعمرين والمستوطنين، بل عملْتم على ضرب وإضعاف وتفكيك دول المواجهة ومنها سورية، وتشاركون في حصار المقاومة مع الأميركي، وتخشون على المستوطنين الصهاينة وقطعانهم أن يبيتُوا ليلتهم في الملاجئ لتتسارعوا نحو التهدئة مع فصائل المقاومة، وكلُّه على حساب الأرض والانتهاكات بحقِّ الشعب الفلسطيني والعربي وأرضه ومقدساته… فكيف نقدر على سحْبِ مصطلحات كالخيانة والنِّفاق من التداول العربي اليوم..؟؟
إنها أزمة انحطاط في الفكر والثقافة والهوية والسياسة، لكنها ليست أزمة في الوعْي وسوء التقدير والخيانة. فالأغلبية العربية في النظام الرسمي تعرف ماذا تريد وتحاول التضليل الدائم في الوعْي الجمْعي لإرباكه وأخذه إلى الوُجهة التي يريدها المستعمر، ولولا ذلك لما كان العداء لـ»إسرائيل» اليوم يُشكِّل بالنسبة لأغْلبهم مجرَّد وُجهة نظر، أو مجرَّد منعطف في تسويق مدرسة واقعيتهم السياسية التي أدَّت إلى التطبيع العلني مع كيان غاصب منتهك للحقوق وللمقدسات…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية