التدخل الروسيّ للإفراج عن أسرى سوريين
ناصر قنديل
– لسنا بصدد النقاش حول حدود القدرة التفاوضية الروسية مع كيان الاحتلال في الضغط للإفراج عن أسرى سوريّين وفلسطينيين، طالما قاموا بتسليم بقايا جندي السلطان يعقوب. فقد قلنا ما يجب قوله في العملية في حينها، وما نحن بصدده هو مناقشة العلاقات الروسية السورية التي وجد البعض في عملية تسليم بقايا جندي السلطان يعقوب فرصة للانقضاض عليها ونعيها، وتوزيع مواعظ النصح حول عقم الرهان على صواب هذه العلاقة، وصولاً للقول إن روسيا تبيع حلفاءها من العرب كرمى لعيون نتنياهو، وأنها خاضعة للوبيات الصهيونية ولا تستطيع رد طلباتها.
– الأكيد أن موسكو التقطت ردود الأفعال التي أعقبت العملية، خصوصاً الموقف الرسمي للدولة السورية الذي قام بمراعاة العلاقة بروسيا، لكنه عبر عن امتعاضه بالإعلان عن عدم وجود أي علاقة له بها أو معرفة بحدوثها قبل تاريخ تنفيذها، كما وصلت إلى موسكو تعبيرات العتب والغضب في الشارع السوري وفي بيئة المقاومة. وهنا يصير السؤال له قيمة عن كيفية التصرف الروسي وفقاً لسلم الأولويات الذي يرسم سياسات موسكو في المنطقة.
– الخطوة الأولى كانت الإعلان القاسي الذي صدر عن موسكو للرد على الإدعاءات الإسرائيلية حول عملية تسليم وشيكة لبقايا العميل الإسرائيلي إيلي كوهين، وتعمّد أن يأتي الرد على لسان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، والخطوة الثانية جاءت بإعلان المبعوث الروسي الخاص حول الأزمة السورية ألكسندر لافرنتيف أن روسيا طلبت قيام إسرائيل بالإفراج عن عدد من الأسرى السوريين والفلسطينيين تعبيراً عن الامتنان لقيام روسيا بتسليمها بقايا جندي السلطان يعقوب، وتنفيذاً لطلب الرئيس الروسي.
– قيام كيان الاحتلال بالإفراج عن أسيرين سوريّ وفلسطينيّ من سجونه، لا يعادل بالتأكيد ما كان ممكناً تحصيله لو أدارت موسكو مفاوضات تبادل حول بقايا جندي السلطان يعقوب، لكنها رسالة روسية ذات مغزى تقول إن روسيا تعتذر عن التسرّع وترغب بطي الصفحة بما يضمن سلامة وصحة التحالف الذي يجمعها بسورية وقوى المقاومة. وهذا هو موضوعنا، لأن جوهر ما قاله المتربّصون بهذه العلاقة، هو أن روسيا تعمّدت تنفيذ العملية بالطريقة التي تمّت لأنها تريد أن تقول للعالم وللرأي العام في روسيا، ولـ«إسرائيل»، ولنا، أن روسيا لا تقيم حساباً لمن يسمّيهم الآخرون بحلفاء موسكو في المنطقة عندما يتعلق الأمر باسترضاء «إسرائيل»، وها هي موسكو تقول إنه يعنيها كثيراً ألا يترتب على العملية وما رافقها من نقص أو ضعف، أي تأثير سلبي على نظرة حلفائها وجمهور الحلفاء وبيئتهم الشعبية، وإنها لأجل ذلك مستعدة للقيام بخطوات ترميمية لا تشبه الأصل، لكنها توصل رسالة التمسك وتحدد مكان الأولوية.
– ما جرى يشبه ما كان قد تمّ في منتصف العام 2016 عندما اعتذرت تركيا عن إسقاط الطائرة الروسية ورعت موسكو إطلاق مسار أستانة، واتفاق الهدنة في حلب، وقامت الجماعات المسلحة باستغلال الهدنة لبناء قدراتها والاستعداد للمواجهة، وشعرت سورية وقوى المقاومة بأن السعي الروسي لاكتساب تركيا بات مكلفاً وأن سورية وقوى المقاومة يلحق بهما الأذى من هذه السياسة الروسية، وخرجت حينها الأصوات ذاتها تتحدّث عن روسيا التي باعت حلفاءها لتركيا لأن أولوية روسيا هي تركيا وقد استعملت حلفاءها لتصل للمبتغى وها هي تتركهم، في لغة تشبه ما سمعناه قبل اسابيع قليلة عن الاهتمام الروسي بـ»إسرائيل» واستعمال سورية وقوى المقاومة معبراً نحو هذا الهدف. ويومها مرت شهور قاسية انتهت بتحرير حلب بشراكة روسية ظاهرة، وجهت درساً قاسياً وهزيمة شنعاء لتركيا، مؤكدة مرة جديدة قواعد الأولويات الروسية.
– ستبقى التباينات تطلّ برأسها بين حين وآخر بين سورية وقوى المقاومة من جهة وروسيا من جهة أخرى، وسيبقى المتربّصون من أعداء وأعدقاء، يطلون برؤوسهم مع كل محطة تباين، لكن ستبقى العلاقة الروسية بسورية وقوى المقاومة تثبت أنها الأساس في رسم الأولويات الروسية في المنطقة.