معركة تحرير شرق الفرات التي بدأت
حميدي العبدالله
معركة تحرير شرق الفرات تختلف عن كلّ المعارك التي خاضها الجيش السوري بدعم من حلفائه لتحريرها وإعادتها إلى كنف الدولة السورية. ويتلخص الاختلاف بأمرين أساسيّين، الأمر الأول، أنّ الميليشيات المسلحة التي تسيطر على هذه المنطقة، وتحديداً وحدات الحماية الكردية لا تعمل على إسقاط النظام، كما كانت تفعل المجموعات المسلحة الأخرى في المناطق السورية المختلفة التي حررها الجيش السوري، وكانت الأعمال العسكرية المباشرة، أيّ الحملات العسكرية لتطهيرها الأسلوب الوحيد والرئيسي، حتى وإنْ ترافق ذلك مع خط المصالحات وأعمال سياسية أخرى. ذلك أنّ وحدات الحماية الكردية تعايشت مع وجود الدولة السورية في مدينتي الحسكة والقامشلي، بل تعاونت في بعض المراحل لمواجهة هجمات الجماعات الإرهابية في الحسكة. وبديهي في الحال هذه أن يكون احتمال الحوار والتوصل إلى تفاهمات مع هذه الجماعة يظلّ احتمالاً قائماً ومرجحاً في مرحلة من مراحل تحرير منطقة شرق الفرات على نحو أسهل وأيسر من المصالحات مع الجماعات المسلحة في المناطق الأخرى التي كانت تنادي بإسقاط النظام وتعمل على تدمير وجود الدولة السورية ومؤسساتها.
الأمر الثاني، الاحتلال العسكري الأميركي لهذه المنطقة بذريعة مكافحة الإرهاب، إذ أنّ معركة إجلاء الاحتلال الأميركي ستكون مختلفة عن المعارك التي خاضها الجيش السوري بدعم من حلفائه ضدّ الجماعات الإرهابية فإرغام القوات الأميركية على الرحيل، سيكون من خلال رفع كلفة وجود هذه القوات ووضعها أمام خيار من اثنين: إما إرسال آلاف الجنود للاحتفاظ بالمنطقة، وإما الجلاء عنها لتفادي الخسائر التي يمكن أن تمنى بها. وحتى هذه اللحظة ليس هناك من مصالح كبرى تبرّر وتدفع واشنطن لإرسال آلاف الجنود، فضلاً عن قناعتها بأنّ نتائج أيّ مواجهة عسكرية لن تختلف عن تجاربها في العراق وأفغانستان.
بسبب هذين الأمرين فإنّ معركة تحرير شرق الفرات تختلف عن غيرها من معارك تحرير مناطق سورية خضعت لسيطرة الجماعات الإرهابية وبسبب خصائص هذه المعركة يمكن القول إنها بدأت الآن، ومنذ لحظة سقوط آخر موقع تحتله داعش في هذه المنطقة. وتجلى ذلك أيضاً من خلال الآتي:
أولاً، تصاعد المقاومة المسلحة ضدّ قوات «قسد»، وحتى ضدّ وجود القوات الأميركية، وقد بدأت هذه المقاومة منذ بضعة أشهر، بدأت هجمات عسكرية محدودة مثل زرع القنابل وأعمال الاغتيال ومهاجمة حواجز لـ «قسد» ونصب كمائن لدوريات مشتركة أميركية ومن قوات «قسد».
ثانياً، انتفاضات شعبية في أحياء الرقة وبلدات ومدن واقعة في ريف دير الزور وأرياف الرقة والحسكة.
ثالثاً، بدء «مسد» الجناح السياسي لـ «قسد» بإجراء حوار متقطع مع الدولة السورية، منعته الولايات المتحدة من التوصل إلى نتائج حاسمة تعيد هذه المنطقة إلى كنف الدولة، وأدّى القلق من المستقبل وعدم القدرة على الاحتفاظ بالمنطقة إلى تغيير وحدات الحماية الكردية شعاراتها ومواقفها، فطوت شعار الفيدرالية التي كانت تنادي به، وتطالب الآن بالدولة اللامركزية.
لكن مع بدء انطلاق مسيرة تحرير شرق الفرات بمساراتها الثلاثة فإنّ ذلك سيقود في نهاية الأمر إلى إرغام القوات الأميركية على الجلاء عن شرق الفرات، ووصول الحوار بين «مسد» والدولة السورية إلى نتائج حاسمة.
إذن تحرير منطقة شرق الفرات هي مسألة وقت بانتظار تصاعد تداعيات وتأثير عمليات المقاومة والانتفاضات الشعبية، التي ستشهد في مستقبل قريب المزيد من الاتساع والتصعيد.