خيارات أميركا في الحرب على إيران… بعد سقوط وحيازة طهران لطائرتها الشبح
لم تشهد واشنطن هدوءاً لطبول الحرب مع إيران بل سخّرت الإدارة ووسائل الإعلام الرئيسة نفوذها ومواردها الجمعية للدفع باتجاه الحرب، عقب إسقاط إيران لطائرة التجسّس الأميركية المسيّرة في مياهها الإقليمية.
سيستعرض قسم التحليل الخيارات العسكرية المرئية وما يُرتجى من أهداف تتحقق، لكلا الطرفين، رغم البوادر الأولى التي لا تدعم فرضية نشوب الحرب المباشرة، وترجيح تشديد واستمرار واشنطن بسلاح القرصنة الالكترونية، ضمن وسائل ناعمة أخرى ضدّ إيران.
إيران
أعرب المجلس الأميركي للسياسة الخارجية عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تجد نفسها معزولة عن حلفائها في ما يخص النزاع مع إيران، وستوفر قمة العشرين فرصة للرئيس ترامب لإعادة التواصل مع الحلفاء المقربين . وأضاف أنّ واشنطن أرسلت نحو 1000 عنصر من القوات المسلحة للمنطقة، عقب تحميلها إيران مسؤولية الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط، بغية مراقبة نشاطات إيران وتوفير الحماية للقوات المتواجدة هناك . واستطرد أن العواصم الاوروبية تنظر بعين الشك لاتهامات واشنطن ضدّ إيران، مما يعيد للمشهد السياسي أحداث خليج تونكين المفتعلة عام 1964 ، التي شكلت إيذاناً ببدء الحرب الأميركية على فييتنام.
سعت مؤسسة هاريتاج لسبر أغوار مناخ قرقعة السلاح بالنظر إلى عناصر سياسة ترامب نحو إيران والتي تغذي تكهّنات لامتناهية لاستقراء نوايا شنه الحرب على الرغم من خلو الأجواء من مؤشرات تفيد بأنّ الولايات المتحدة تنوي تصعيد الموقف الراهن مع إيران . واوضح أنّ الحقائق الميدانية تؤيد عدم نشوب حرب بما أنّ قوة عسكرية قوامها ألف جندي ليست مؤهّلة للغزو كما أنّ القوات والموارد الأميركية الأخرى المتواجدة في المنطقة، لا سيما القوات البرية فإنها أصغر حجماً مما يتطلبه تحشيد القوى للقيام بعمل هجومي . وخلص بالقول إنّ القوات الأميركية الإضافية 1000 جندي فمهمتها تأتي بالاتساق التامّ مع مهام توفير الحماية المطلوبة .
في سياق متصل، حثت مؤسسة هاريتاج الإدارة الأميركية على قيادة تشكيل لبلورة رد عالمي على استفزازات إيران.. وينبغي تذكير الحلفاء بأنها تشكل التهديد الأشد ضراوة على المسرح النووي . وأضاف أنه يتعيّن على واشنطن ضبط طبيعة ردّها على سقوط الطائرة المسيّرة والهجمات على ناقلات النفط بالتصويب على تحشيد الدعم الدولي للأزمة المقبلة الناجمة عن تصعيد إيران لجهودها بتخصيب اليورانيوم.. والتي أطلقت تهديدات إيران العدوانية ضد حرية الملاحة الدولية.
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سلط الأضواء على بعد التقنية الالكترونية لا سيما أنّ إيران طوّرت قدراتها الالكترونية السيبيرية بسرعة، ولا ترقى لمصاف المرتبة الأولى بين الدول الأخرى لكنها تسبق معظم الدول الأخرى في بعدي الاستراتيجية وتنظيم الحرب الإلكترونية.. وتتميّز باهتمامها تسخير الطاقات الالكترونية كأداة من أدوات القوة القومية . وأوضح أنّ أيّ هجوم الكتروني قد يشنّ على الولايات المتحدة لن يصنّف بالصدفة أو عن طريق الخطأ بل جزء عضوي من استراتيجية شاملة للمواجهة . وأردف أنّ الهجوم الألكتروني الذي تعرّضت له منشآتها النووية نتيجة قرصنة ببرنامج ستكسنت الخبيث حفّز إيران على تطوير قدراتها الالكترونية.. بيد أنّ أشدّ من يخشاه قادتها مصدره مواطنوها وخطورة مخزون شبكة الانترنت بإطلاقها العنان لتحرك شبيه بالربيع العربي .
سعى معهد واشنطن لتوسيع مروحة مناخ التوتر مع إيران باستحضار الهجمات مجهولة الهوية يعتقد انها ميليشيا مدعومة من إيران بالقرب من منشآت سكنية يقطنها مهندسون أميركيون ودوليون يعملون في قطاع النفط في محافظة البصرة مما أسفر عن تقليص واشنطن لطواقمها الديبلوماسية في بغداد وأربيل.. وإغلاق القنصلية في البصرة . وأضاف أنّ تلك الضربات أتت في أعقاب صدور بيان إنذار شديد اللهجة من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.. يحث الميليشيات العراقية على الانكفاء عن شنّ عمليات عسكرية باستقلالية عن الجيش كما تزامنت مع الجهود الأميركية لإسداء المشورة لقيادة عمليات نينوى لإخراج الميليشيات غير المحلية منها. وطالب الحكومة الأميركية التروّي وألا تدع مثل تلك الحوادث ان تقوّض العلاقات الثنائية أو اتخاذ مزيد من إجراءات تخفيض الطواقم الديبلوماسية.. ودعم عادل عبد المهدي في جهوده لإخراج وضبط قادة الميليشيات في تلك المناطق .
تركيا
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جولة الانتخابات الثانية في مدينة اسطنبول، 23 حزيران، والتي جرت بإصرار من حزب العدالة والتنمية بغية ترجيح كفة نتائج الجولة الأولى لصالح مرشحها.. بيد أنّ الحزب تلقى صفعة مدوية وخسارته للأصوات في كافة دوائر اسطنبول الانتخابية، 39 دائرة، وتحقيق منافسه نسبة نجاح بفارق ينوف عن 800.000 صوت.. مقابل فارق بسيط بلغ 13.000 صوت في المرة السابقة . وأوضح أنّ كافة الأطراف تترقب ما ستؤول إليه النتائج الصادمة لأردوغان ان كانت تشكل سقطة عابرة أم نذير سياق تاريخي عكسي.. وقلق أردوغان من تبلور مجموعة وازنة تعلن انشقاقها عن حزبه وسيسعى بكلّ تأكيد لتقويض حظوظ الفائز في إدارة شؤون المدينة وعقب تشبيهه بغريمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي .
بات التكهّن بوقوع حرب بين إيران والولايات المتحدة مسألة تؤرق مصداقية كافة الأطراف المنخرطة، لا سيما مراكز صنع القرار الحساسة لدى واشنطن، بدءاً بعدم المراهنة على صوابية الرئيس ترامب وسرعة انقلابه، ومناخ المزايدات السياسية للحملة الانتخابية التي بدأت، فضلاً عن البعد الدولي الرافض ظاهرياً لتصعيد التوتر يرافقه خشية من ردود فعل الإدارة الراهنة.
نظرة هادئة لحيثيات الصراع وتداعياته الإقليمية والدولية تشير بوضوح إلى عدم ترجيح النخب الفكرية والسياسية الأميركية اندلاع اشتباك مسلح في المدى المنظور، اللهم إلا إذاّ ارتكب أحد الطرفين أو من ينوب عنهما في الإقليم خطأ يدفعهما للانزلاق بعيداً عن حافة الهاوية.
تتميّز بعض اوساط تلك النخب برؤية بلورية صافية ليس في بعد الاستراتيجية الأميركية فحسب، بل في تداخل جملة من العوامل والمصالح لمراكز قوى متعددة. وأضحت أكثر جرأة في تقييمها ومواجهتها الفكرية للرئيس ترامب معتبرة أنها جرّدته من أمضى أسلحته: غموضه وعدم القدرة على التنبّؤ بخطواته المقبلة باتت قابلة للتكهّن، حسب وصف يومية واشنطن بوست ، 28 حزيران.
تلقي تلك النخب مسؤولية تدهور الأزمة والتهوّر نحو حرب قد تتطوّر نووياً على عاتق سياسة الإدارة الأميركية التي حشرت إيران في زاوية قاسية من العقوبات مما اضطرها للردّ ، وفق توصيف اسبوعية ذي ناشيونال انترست . النخب الفكرية الليبرالية ، ممثلة بدرّة إنتاجها فورين أفيرز ، تعتقد أنّ السياسة الأميركية للإدارة الحالية، بكافة أركانها، قد تمّ اختطافها من قبل دعاة الحرب.. وفي ما يتعلق بالسياسة الشرق أوسطية فقد تعاقدوا مع اسرائيل والسعودية وربما الإمارات اللواتي تسارع الخطى لحرف بؤر التوتر الإقليمية وتموضعها بمواجهة إيران.
البعد المالي بنظر أولئك يتمحور حول دعم ذوي الثراء الفاحش والمتشدّدين سياسياً للرئيس ترامب، أبرزهم الميلياردير شيلدون آديلسون وبول سينغر وبيرنارد ماركوس، الذين أرفدوا حملة ترامب الرئاسية، 2016، ومرشحي الحزب الجمهوري بنحو 259 مليون دولار تبرعات ، وينتظرون ترجمة الإدارة لتوجهاتهم السياسية المعادية لإيران بالدرجة الأولى.
آديلسون من ناحيته حث بصريح العبارة المرشح دونالد ترامب على استخدام الخيار النووي ضدّ إيران، وسخّر نفوذه السياسي لاحقاً لتعيين جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي.
ترامب لم يشذ عن توقعات داعميه ومؤيديه من عالم المال والاستثمارات، إذ وعد إيران بحرب إبادة تمحوها عن الوجود ، عشية مغادرته لقمة الدول الصناعية، رداً على تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، برفض بلاده عرض التفاوض تحت التهديد وعزمها المضي بجهودها للقفز عن معدلات تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها في الاتفاق النووي.
وحدّد ترامب آفاق الحرب الموعودة مع إيران، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز ، 27 حزيران، بأنها لن تتطلب انخراط قوات برية أميركية .. لن تدوم طويلاً، والاشتباكات المباشرة ستكون محدودة . هل يعتبر ذلك تلويحاً باستخدام الخيار النووي التكتيكي كما تروّج له صناعات الأسلحة الأميركية.
رئيس مجلس العلاقات الخارجية، السياسي المخضرم ريتشارد هاس، حذر صناع القرار الأميركي من أهوال حرب مقبلة مع إيران نتيجة تصاعد الضغوط الاقتصادية الأميركية عليها.. والتي لن تتشابه مع سابقتها حرب الخليج عام 1991. بل ستخوضها إيران بالقتال على امتداد مناطق جغرافية متعددة، بوسائط عدة، وقوات مختلفة في ظلّ مناخ غضب حلفاء واشنطن من سياساتها التصعيدية.
روبرت كابلان، الذي يعدّ أحد أهمّ الركائز الفكرية المميّزة لدى المؤسسة الحاكمة حذر من عامل الجغرافيا الإقليمية الذي ستستغله إيران لأقصى حدّ لا سيما ولديها الكثير من الخلجان والمداخل والتجاويف البحرية والجزر.. التي تعدّ مواقع مثالية لإخفاء نظم أسلحة مختلفة على مسافة قريبة من قطع البحرية الأميركية العاملة في الخليج.
على الطرف المقابل، يناور دعاة الحرب لإيجاد المبرّرات لردّ أميركي صاعق، تكون هي البادئة به لضمان عامل الصدمة والاستمرار بسياسة ممارسة أقصى الضغوط بالاستناد إلى تقييمهم لفعل العقوبات الاقتصادية على إيران مما حرم قواتها العسكرية من مزايا التحديث وتطوير الدعم اللوجستي الحيوي خلال المعارك.
ويقرّ اولئك بأنّ إيران اكتسبت خبرة قتالية في الحرب غير المتماثلة، معظمها في سورية واليمن عبر أسلوب حرب العصابات، لكنها غير مؤهّلة لمواجهة قوة عسكرية عظمى مدجّجة بأحدث الأسلحة كما أنّ سلاح طيرانها المحتفل بإسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة هو أقلّ قوة وكفاءة مما يبدو عليه للبعض .
بناء على ذلك، وفق منطقهم ومبرّراتهم، فإنّ الأجواء مهيّأة لاختراق المقاتلات الأميركية وشنّ عمليات عسكرية في ظلّ عدم قدرة نظم الدفاع الجوية الإيرانية مواجهتها أو ايقافها.
جدير بالذكر ما ينقله أولئك من تفسير حول إسقاط طائرة الدرونز الأميركية بالإقرار أنّ القوات المسلحة الأميركية كانت على دراية تامة بأنها تحلق فوق الأجواء الإيرانية، والتي تعدّ مقبولة في ظروف السلم التي تحدّد المياه الإقليمية بمدى لا يتجاوز ثلاثة أميال بحرية، لكنها لم تتوقع الردّ الإيراني الفوري الذي يعزى لعامل المفاجأة وليس بفعل التقنية المتطورة .
العامل المغيّب عند دعاة الحرب هو التداعيات الناجمة عن سياسة أقصى الضغوط أبرزها التهديد طويل الأجل على المصالح الأميركية في المنطقة و الاستقرار الإقليمي ، كما يحاجج مناهضو الحرب فضلاً عن تصدّع العلاقات الأميركية مع حلفائها الأوروبيين وتعزيز النفوذ الروسي في المنطقة . كما يتفادى اولئك تنامي منسوب الاستياء العالمي من السياسة الأحادية الأميركية، في عهد ترامب، والتي بدأت تلقي ظلال أضرارها على المواطن الأميركي ومستوى حياته اليومية.
الخيارات العسكرية: يسيل حبر وفير لترويج تفوّق الترسانة العسكرية الأميركية، وهو أمر تقرّ به دول العالم قاطبة. كما أنّ المراكز المختصة والخبراء بالشؤون العسكرية عرضوا سيناريوهات لبوادر حرب استناداً إلى مناخ التصعيد الأميركي ضدّ إيران.
في هذا الصدد بالذات، ينبغي تسليط الضوء على التداعيات الاقتصادية على الولايات المتحدة، من وجهات نظر علمية متوازنة، والتي تتفادى المؤسسة الحاكمة ومعظم الوسائل الإعلامية الخوض فيها بشكل مفصل.
الاستثناء العلمي لتلك القاعدة كانت يومية بوسطن غلوب ، 24 حزيران، بدراسة مفصّلة لإحدى أشهر خبراء الاقتصاد الأميركي، الاستاذة الجامعية في هارفارد ليندا بلايمز وآخرين.
سنستعرض أدناه أبرز ما تناولته دراسة الخبراء الذين تنبأوا بدقة كلفة الحرب على العراق آنذاك، وتمّت محاصرتهم والتشهير بهم من قبل نائب الرئيس ووزير الدفاع، ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، على التوالي. تقول الدراسة:
كلفة الحرب على إيران ستتراوح بين 60 ملياراً إلى 2 تريليون، في الأشهر الثلاثة الأولى فقط.
الحرب حصراً لن تؤدّي لتغيير النظام، أيّ نظام. نشوب حرب مع إيران لتحقيق تغيير النظام ستكون طويلة الأمد، مكلفة مادياً، وكارثية على الاقتصاد الأميركي والعالمي.
استشهدت بتصريح لوزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس، بقوله إنْ اعتقد البعض أنّ الحرب على العراق كانت صعبة، فالهجوم على إيران، من وجهة نظري، ستكون كارثية .
ارتفاع سعر برميل النفط إلى مستويات غير مسبوقة قد تصل لنحو 250 دولاراً للبرميل.
الاقتصاد الأميركي في حالته الراهنة مشبع بالعمالة، وأيّ ارتفاع حادّ في الإنفاق العسكري سينتج تضخماً اقتصادياً يحول دون تنفيذ مشاريع إعادة البناء وترميم البنى التحتية الداخلية المتهالكة.
وختمت الدراسة بالقول إنّ المؤسسة الحاكمة، ومنذ حرب فييتنام، تفادت فرض ضريبة حرب على المنتجات والمبيعات مما رسخ في أذهان المواطن انّ الحرب تخاض بكلفة زهيدة أو معدومة مما عزز تقويض الجدل العام حول ضرورات خوض الحروب، كسياسة واستراتيجية أميركية.