حسابات لبنانية خاطئة… في زمن المتغيّرات
ناصر قنديل
– يتصرف الكثير من الأطراف اللبنانيين وفقاً لأوهام سياسيّة تصنعها رغبات بعيداً عن الحساب السياسي الدقيق، وفي بلد تتشكّل فيه السلطة وتوازناتها من بوابة الانتخابات النيابية، يكون من العقل التساؤل عن ماهية المناخات التي ستكون في موعد الانتخابات المقبلة، والسعي لملاقاتها إن كانت ذات مفاعيل إيجابية أو تلافي نتائجها إن كانت سلبية، وفقاً للموقع الذي يطل منه كل طرف على معادلات الداخل والخارج، لكن معظم الأطراف يتصرّف وكأن الواقع الذي سيرسم خلفية المشهد السياسي والانتخابي يقرّره ما يفعلونه اليوم، ويظنون أن معادلات اليوم ستكون صالحة للسنوات المقبلة، ولا ينقصها إلا ما سيفعلونه.
– لبنان السياسي يعيش على معادلتين، واحدة تقررها التوازنات الداخلية، والثانية تقررها التوازنات الإقليمية بخلفيتها الدولية. أما التوازنات الداخلية فهي ليست بين الأطراف السياسية كما يعتقد أغلب اللاعبين السياسيين، بل بين مكوّنات هذه الأطراف في بلد تحكمه اللعبة الطائفية وتنظم السلطات فيه على أساسها. وعلى هذا الصعيد ثمة حقيقة لا يمكن مقاومتها ولا الحدّ من تأثيراتها وتقدّم مفاعيلها، وهي أن كل الطوائف في حال تحفز وسيكون صعباً أو مستحيلاً تثبيت معادلات تقوم على أحد خطابين، الأول هو حنين بعض الأطراف المسيحية إلى معادلات ما قبل الطائف إما من بوابة الصلاحيات الرئاسية، تحت ألف ذريعة ومبرر، أو من بوابة تعويض الخلل في التقاسم السياسي لتمثيل الطوائف بعد الطائف بتطبيق مفعول رجعي لتقاسم معاكس. والثاني هو مواصلة بعض الطراف الإسلامية توهم إمكانية مد اليد على التمثيل المسيحي في الدولة، خصوصاً في التوظيفات والتعيينات والتشكيلات، تحت شعار خصوصية المناطق وتوازناتها وتاريخية زعاماتها، أو فرض وقائع تراتبية لعلاقات الطوائف في مناطق الحرب تحت شعار المصالحة المحكومة بتوازنات ما بعد الحرب. وتناحر هذين الخطابين سيؤدي إلى إضعافهما معاً لأنهما معاكسان لطبيعة الأشياء، وليس لفوز أحد منهما على الآخر مهما توهّم المتوهمون وكابر المكابرون.
– لبنان الإقليمي يعيش بين معادلتين، معادلة العلاقة السورية السعودية في رسم التوازنات العربية الحاكمة لموقع لبنان، ومعادلة توازن القوة بين محور المقاومة و«إسرائيل». وواهم ومخطئ من يظن أن سياق ومسار هاتين المعادلتين لم يتحدّد بعد، وأنه يمكن التأثير فيه ببعض اللعب اللبناني الخفيف، أو بإعادة بناء البيوت المتداعية بالحجارة القديمة ذاتها. فالمعادلة الإقليمية التي غابت سورية عنها تتراجع، وخلال السنتين المقبلتين، ستكون الانتخابات الرئاسية السورية عام 2021 قبل الانتخابات النيابية اللبنانية بسنة تقريباً نهاية الغياب السوري، باعتبار هذه الانتخابات نهاية الحرب وبداية المسار السياسي الجديد لسورية، وسورية العائدة للإقليم هي سورية المنتصرة في حرب عالمية أعجب هذا البعض أم لم يعجبه. وهي سورية المؤثرة في رسم المعادلات العربيّة، مقابل السعودية التي استنزفت مهابتها وأموالها وقوتها في حرب اليمن وصفقة القرن، وباتت تبحث عن دور إقليمي في البلدان العربية الأفريقيّة كالسودان وليبيا كتعويض عن الفشل في المشرق العربي. ولبنان في قلب هذا الفشل، حيث لم يستطع أي من حلفائها تلبية طلباتها بالمواجهة مع حزب الله عندما كان هذا جوهر مشروعها الإقليمي.
– في توازن القوة بين محور المقاومة و«إسرائيل»، تبدو الصورة واضحة حيث محور المقاومة يكتسب المزيد من نقاط القوة، وحيث يفترض بالبعض الخروج من أوهام إضعاف محور المقاومة بحرب لن تأتي، وصفقة قرن لن تبصر النور، وما لم تكرس التسويات مرجعية دول وحركات محور المقاومة، فإن ربط النزاع سيتم على قاعدة التسليم باليد العليا لمحور المقاومة في معادلات المنطقة، استبعاداً لحرب سيخسر فيها الجميع لكن ستكون «إسرائيل» فيها الخاسر الأول.
– القيادات العاقلة تضع هذه المعادلات في حسابها وتبني سياساتها عليها، فتستنتج أن الرهان على مزيد من القدرة في صناعة الاستقرار يؤديها النظام الطائفي في غير محله بمثل ما تبدو الدعوة لمغادرته الفورية والكلية نوعاً من السذاجة، لكن سيحجز لنفسه مكاناً في الغد من يجعل مشروعه الفئوي متصالحاً مع معادلة مشروع عام يخفف من حدة وغلو النظام الطائفي لا لمن يستثمر فيه على المزيد، كذلك الرهان على معادلات توازن سلبي بين سورية والسعودية في لبنان أو توازن سلبي بين قوى المقاومة و«إسرائيل» في لبنان رهانات أقل ما يقال فيها إنها غبية، ستأكلها المتغيرات، وسيكون عاقلاً من يبني معادلاته السياسية على تقدير لمتغيرات ترتبط بانتصار سورية وتفوق مشروع المقاومة في المنطقة، ويسعى لملاقاتها، أو لتفادي دفع فواتير قوتها إن كان على الضفة المقابلة.