مَن يحرص على تجنيب لبنان الحرب: السيد حسن نصرالله أم منتقدوه؟
ناصر قنديل
– ظاهرياً يتلبّس منتقدو خطاب السيد حسن نصرالله ثوب الحرص على تجنيب لبنان تداعيات أي تطور دراماتيكي للمواجهة الأميركية الإيرانية، ويعتبرون تهديداته بالدخول على خطها تلميحاً وتصريحاً تعريضاً للبنان للخطر، وتخديماً لمصالح إيرانية على حساب لبنان وأمنه واستقراره. فيقولون، إن اتصالاتهم بالأميركيين ومن خلالها ما يردهم عن نتائج الاتصالات الأميركية بالإسرائيليين، فإن واشنطن وتل أبيب مستعدتان لتحييد لبنان عن أي مواجهة مع إيران إذا استجاب حزب الله لهذه الدعوة بالتحييد، وإن كلام السيد نصرالله وموقفه يسقطان هذه الفرضية ويضعان لبنان في دائرة الاستهداف، ويضيف هؤلاء أنهم نجحوا عبر الاتصال بواشنطن لضمان استعداد أميركي لفتح قناة اتصال مع حزب الله، رغم وجود العقوبات، لكن حزب الله لم يكتفِ بالرفض بل استعمل ذلك للتصعيد بوجه واشنطن.
– ظاهرياً، يبدو هذا الكلام منطقياً، لكن هناك ما هو أهم للكشف عن صدق وطبيعة النيات الأميركية العميقة من مساعي تحييد حزب الله، تكشفها مساعي الوساطة لترسيم حدود لبنان براً وبحراً التي قادها معاون وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد ساترفيلد، الذي تولى حديثاً مهام سفارة بلاده في تركيا، لتقول شيئاً لا علاقة له بما يقوله اللبنانيون الذين يتحدثون عن الحرص على تحييد لبنان من أي مواجهة أميركية إيرانية، ففشل مساعي ساترفيلد بعدما استهلكت وقتاً طويلاً أظهر أن المقصود منها كان تحييد حزب الله عن أي مواجهة إيرانية أميركية، دون أن يطلب من الحزب ذلك، بل بمحاصرته بمناخ لبناني متحفز للحصول على الحقوق اللبنانية من الثروات النفطية، وجعل المستوى الأول في لبنان ينظر بإيجابية للمساعي الأميركية، بحيث لن يتسامح مع أي موقف تصعيدي لحزب الله إذا ما تدهورت الأوضاع على جبهة طهران واشنطن بما يهدّد بالإطاحة بهذه الفرصة اللبنانية الذهبية، لكن التراجع الأميركي المفاجئ بلا مقدّمات عن جهود الوساطة الشكلية، كشف المستور بعدما تيقنت واشنطن من شراكة حزب الله بقرار واعٍ وواضح في أي مواجهة بينها وبين إيران بحسابات تعرف أنها لن تستطيع تغييرها.
– لدى حزب الله مقاربة مخالفة كلياً لما سبق، وهو يعتبر أن كلام السيد حسن نصرالله ترجمة لهذه المقاربة بكل حساباتها وتفاصيلها. فخطة تحييد حزب الله، هي خطة الحرب، وليست خطة الخروج منها وفقاً لرؤية الحزب، والفشل بتحييد حزب الله يعني سقوط خيار الحرب، لأن واشنطن لن تشنّ حرباً على إيران تعرّض أمن «إسرائيل» للاهتزاز، لكنها إذا نجحت بالفوز في الحرب على إيران، بعد النجاح في تحييد حزب الله، وبالتالي ضمان أمن «إسرائيل» أثناء الحرب على إيران، فلن تتردد بالارتداد نحو حزب الله لتدفيعه ثمن انتصاراته على «إسرائيل» وتغيير معادلات الردع التي بناها بوجه القوة الإسرائيلية، بعدما تكون إيران قد هُزمت وتمّ تغيير المناخ المعنوي والنفسي والمادي لظروف خوض الحرب على حزب الله، فيصير تحييد حزب الله وعبره لبنان مجرد تكتيك حربي مؤقت لجدول أعمال الحرب لا يقع في حبائله ولا يصدّقه إلا الأغبياء، الذين يربأ حزب الله بنفسه وباللبنانيين أن يُحسَبوا من ضمنهم.
– في حسابات حزب الله، معادلة واضحة لقوانين الحرب والسلم في المنطقة عنوانها، أن أمن «إسرائيل» هو الذي يدفع أميركا لخوض الحروب وهو الذي يجعلها تعيد النظر بخيارات الحروب، وأنه كما في الحرب على سورية، في الحرب على إيران، سؤال الأميركيين الأول، هو هل يرد احتمال أن يقوم حزب الله بتعريض أمن «إسرائيل» للخطر، فإن كان الجواب إيجابياً عدلت واشنطن عن الحرب وإن كان العكس مضت بها وإليها، وفي حسابات حزب الله أن واشنطن التي شكّل التحريض الإسرائيلي أحد الأسباب في حملتها العدائية لإيران نظراً لما للتأثير الإسرائيلي على معادلات القوى الناخبة في واشنطن، ستتأثر بما تتلقاه من الرأي العام الإسرائيلي حول خيار الحرب على إيران، وبالتالي فإن تهديد الأمن الإسرائيلي بأكلاف عائدات الحرب وجعل ذلك قضية الرأي العام الأولى في كيان الاحتلال يتكفّل بجعل التحريض الإسرائيلي لواشنطن معكوساً، فبدلاً من معادلة «اضربوا إيران كمصدر خطر على أمن إسرائيل كي نقف معكم»، يصير «لا تغامروا بأمننا في حرب مع إيران سندفع نحن ثمنها إن كنتم تريدون أن نقف معكم».
– معادلة حزب الله أنه لن يكون محيداً ومعه لبنان إذا قررت واشنطن الحرب على إيران، إلا مؤقتاً ضمن خطة تكتيكية للفوز بالحرب بكل مراحلها، ومنها مرحلة القضاء على حزب الله بعد الفوز بالحرب على إيران، وأن طريق منع الحرب على لبنان يبدأ من منع الحرب على إيران، وطريق ذلك واضح، جعل أمن «إسرائيل» في كفة موازية للحرب على إيران، وهو ما يضمنه التهديد بدخول حزب الله على خط الحرب، الذي يضمن على الأقل وبكل تأكيد تحفيز الرأي العام الإسرائيلي لرفض المغامرة بالحرب، فعدم الحياد من الحرب هو طريق تحييد لبنان من الخطر.