أكاذيب نتن ياهو الصاروخية وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم!
محمد صادق الحسيني
أعلن بنيامين نتنياهو أمس أنّ «إسرائيل» قد أجرت اختباراً صاروخياً سرياً وخارقاً، خلال الأسابيع الماضية في ألاسكا، لمنظومة صواريخ «حيتس 3» المضادة للصواريخ، وهي الجيل الجديد من هذا النظام الصاروخي الفاشل.
وفِي ظلّ موجة الأكاذيب التي أطلقها نتن ياهو ومدير شركة الصناعات الجوية «الإسرائيلية»، بهذه المناسبة، فلا بدّ أن يتمّ توضيح بعض التفاصيل المهمة في هذا المجال:
1 ـ نقول لهذا العنصري المغرور انّ هذا النظام ليس سرياً وليس خارقاً كما تدّعي، وإنما هو نظام صاروخي جري تطويره من قبل شركة بوينغ الأميركية، في إطار الخطط الأميركية لإقامة درع صاروخي مضادّ للصواريخ. كما انّ برنامج تطوير وتصنيع هذا النظام قد تمّ تمويله، بنسبة 80 من قبل الولايات المتحدة، علماً انّ تكاليف البرنامج قد وصلت الى مليارين وأربعمائة مليون دولار حتى الآن، دفعت منها الولايات المتحدة 80 أيّ حوالي ملياري دولار.
2 ـ يُضاف الى ذلك انّ بيانات وزارة «الدفاع الإسرائيلية» نفسها قد أكدت انّ تجربة هذا النظام قد تمّ تأجيلها، في شهر أيار 2018، بسبب مشاكل فنية يجب إيجاد الحلول المناسبة لها قبل تنفيذ التجربة.
كما أعلنت الوزارة نفسها انّ تجربة «ناجحة» قد أجريت، على هذا النظام الصاروخي، في شهر كانون الثاني/ يناير 2019 في «وسط إسرائيل»، فما الحاجة إذن إلى إجراء تجارب سرية وخارقة في ولاية ألاسكا الأميركية، بعد إعلان وزارة الحرب الإسرائيلية في مرتين على الأقلّ، عن إجراء تأجيل ثم تجريب لهذا النظام؟
3 ـ انّ ما جرى في ألاسكا ليس سوى حملة تضليل، للرأي العام الإسرائيلي قبل كلّ شيء، يمارسها نتن ياهو، في إطار حملته الانتخابية. وهي جزء من أعماله «الطرزانية» كسرقة الأرشيف النووي الإيراني من طهران وغير ذلك من الأكاذيب.
4 ـ وللمزيد من التوضيح والدقة، فإننا نقول إنه وحتى لأسباب فنية، فلا داعي لإجراء تجربة ميدانية على هذا النظام في ألاسكا الأميركية، خاصة أنّ محطات الرادار، من طراز AN / TPY 2، اللازمة لتشغيل هذا النظام موجودة في قاعدة تل شاحار Tal Shahar القريبة من بلدة بيت شيمش، غربي القدس، والتي ستكون مقرّ أربع بطاريات لهذا النوع من الصواريخ، التي سيتمّ إخفاؤها داخل دشم محصّنة في التلال المحيطة بالقاعدة.
علماً انّ خبراء ومحللين عسكريين إسرائيليين قد أكدوا انّ أنظمة الرادار الأميركية، المشار اليها أعلاه، قد تمّ استخدامها فعلاً عندما أجريت تجربة هذا النظام في شهر كانون الثاني/ يناير 2019. وعليه فلا داعي مطلقاً للذهاب الى ألاسكا لإجراء مثل هكذا تجارب.
5 ـ انها مناورة جديدة وحملة غش وخداع يمارسه هذا الغوغائي، مستغلاً قيام إيران بتنفيذ تجربة على صاروخ حربي متوسط المدى قبل أيّام، الأمر الذي لا يتعدّى كونه إجراءً روتينياً، في إطار تجارب تنفذ على صواريخ دفاعية محدودة المدى. الأمر الذي يجعل نتن ياهو محطاً للسخرية، لدى الخبراء العسكريين، بمن فيهم الإسرائيليون، وذلك عندما يحاول الإيحاء، للجمهور الإسرائيلي والرأي العام الدولي، انه أصبح رامبو هذا العصر وقادر على التصدّي للصواريخ الحربية البعيدة المدى خارج الغلاف الجوي.
6 ـ ولا بدّ، في هذا السياق، من الإشارة الى ما نشره الصحافي الإسرائيلي، يانوف كوبوفيتش Yanov Kobuvic على موقع صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بعيد ظهر أمس، حول «صواريخ نتن ياهو الساحقة والخارقة»، حيث قال: «انّ من المحتمل ان يساعد هذا النظام الصاروخي الجديد الجيش الإسرائيلي على مواجهة بعض التحديات الأكثر تعقيداً».
وهذا يعني انّ تصريحات رئيس شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، المتساوقة مع تصريحات وتبجحات نتن ياهو، التي أشار فيها الى فرضية ان يكون هذا النظام قادراً على إسقاط أقمار صناعية، ليست إلا هراءً لا يستند الى أية حقائق عملية.
7 ـ الأهمّ من ذلك كله هو انّ ما يهدّد وجود الدولة العبرية ليست الأقمار الصناعية السعودية او الإماراتية مثلاً، بل انّ ما يهدّد هذا الوجود هو قوات حلف المقاومة الموجودة على بعد كيلومترات قليلة من قلب هذا الكيان، سواء على الجبهة السورية أو اللبنانية أو على جبهة قطاع غزة. وهذا ما يعلمه نتن ياهو وجنرالات الجيش الإسرائيلي تماماً، وهو الأمر الذي يخلق لهم الأرق الدائم والأزمة والتحدي الاستراتيجي الأكبر.
8 ـ ولهذا السبب بالذات قام الجيش الإسرائيلي، ومن خلال تعاونه مع مجموعات مسلحة، أنشأها وسلّحها وأدارها عبر غرفة عمليات الموك في عمّان، نقول انّ هذا الجيش حاول السيطرة على قطاع الجولان ومحافظة درعا، وقام بتدمير قواعد الدفاع الجوي السوري ليس في هذه المناطق فقط وإنما في كلّ مكان دخلته العصابات المسلحة في كلّ الأراضي السورية، وذلك بسبب الكابوس الذي يعيشه هذا الجيش من جراء الانكشاف الاستراتيجي الذي تعيشه «الدولة» التي يتدثر بها او يتغطى بها هذا الجيش.
ذلك الانكشاف الذي يتمثل في كون مدينة الناصرة المحتلة مثلاً لا تبعد عن مواقع الجيش السوري وقوات حلف المقاومة في منطقة اليرموك سوى 45 كم. كما انّ هذه المواقع لا تبعد عن حيفا ويافا أكثر من ستين كيلومتراً وهي مسافة لا تحتاج الى صواريخ بعيدة المدى يتمّ التصدي لها من خلال صواريخ نتن ياهو الكاذبة، التي تسمّى «حيتس 3»، وهي ليست بحاجة إلا لوثبات أسود كي يصلوا الى عمق الجليل الفلسطيني من جنوب لبنان، وصولاً الى الناصرة والعفولة حيث سيلتقون بقية القوات المتقدّمة من جنوب وشمال بحيرة طبرية، لمواصلة الزحف الى جنين شمال الضفة الغربية جنوباً والى عكا وحيفا شمالاً.
9 ـ أما إذا قال قائل بأنّ هذا الكلام لا يتعدّى كونه ضرباً من الخيال فإننا لا ننصحه إلا بالعودة الى أرشيف وزارة الحرب الإسرائيلية ليتعرّف على النقاط التي وصلتها قوات الجيش السوري، خلال حرب تشرين 1973، حيث وصلت وبكلّ بساطة الى خطوط الهدنة لسنة 1948، بعد ان كانت قد أعادت تحرير هضبة الجولان بالكامل، وذلك قبل ان يبدأ الهجوم الإسرائيلي المعاكس يوم 21/10/1973، وبغطاء جوي أميركي أوروبي كامل، شاركت فيه مائتا طائرة فانتوم، لا تحمل شارات سلاح الجو الإسرائيلي وكانت قد نقلت على عجل من القواعد الأميركية والأوروبية في الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك بعد ان خسرت إسرائيل 303 طائرات على الجبهة المصرية و 120 طائرة على الجبهة السورية.
ذلك الهجوم الإسرائيلي المعاكس الذي بدأته «إسرائيل» بعمليات إنزال جوي كثيف جداً، وبغطاء جوي من قبل طائرات الفانتوم الأميركية التي كان يقودها طيارون أميركيون وأوروبيون، على مراصد جبل الشيخ التي كان الجيش السوري قد حرّرها في اليوم الأول للحرب، وما تبع ذلك من تطوير
للهجوم الجوي والبري الإسرائيلي، الذي كان المستشارون العسكريون السوفيات، ومن أبرزهم العقيد طيار يوري كوزين، يسجلون وقائعه لحظة
بلحظة ويتخذون الإجراءات اللازمة لوقفه، بما في ذلك تعويض سلاح الجو وسلاح المدرّعات السورية عن الخسائر التي لحقت بهما، وذلك عبر جسر جوي ضخم إقامته القيادة السوفياتية آنذاك.
علماً انّ هذا الهجوم المعاكس قد تواصل بضراوة، رغم كلّ الجهد السوري للتصدّي له جواً وبراً، طوال أيّام 21 و 22 و 23 و 24 تشرين الأول 1973، خاصة بعد وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية والذي تمّ دون التنسيق مع القيادة السورية.
10 ـ في الخلاصة فإنّ منظومات «حيتس 3» لن تكون قادرة على حماية تل أبيب، لا من صواريخ الجيش السوري ولا من صواريخ قوات حلف المقاومة في الشمال وفي قطاع غزة، والدليل الأكبر على ذلك هو فشل كلّ منظومات الدفاع الصاروخي، الموجودة بحوزة الجيش الإسرائيلي، في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، التي أطلقت من قطاع غزة، خلال العدوان الأخير على القطاع، أواخر العام الماضي. وما على المتابع إلا العودة ليوميات العدوان وتوسّلات نتن ياهو للقيادة المصرية بالتدخل لدى المقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار.
وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون.
بعدنا طيّبين قولوا الله…