الخليج في مواجهة فلسطين
د. وفيق إبراهيم
عندما تستقبل دول الخليج مسؤولين إسرائيليين في مؤتمرات علنية ولقاءات سياسية على اراضيها، وتضع بالمقابل منظمات «حماس» و»الجهاد» وغيرها على لوائح الارهاب وهي التي تقاتل «إسرائيل»…
يُمكن الجزم بما يدحض كل شك ان الحلف الإسرائيلي ـ الخليجي المرتقب داخل الطور التحالفي العلني من دون أي ذرة من حياء أو خجل.
عند هذا الحد كان يمكن الاعتقاد أن الخليج ذاهب للتموضع الى جانب مصر والأردن، والسلطة الفلسطينية في مسألة نسج علاقات دبلوماسية تكتفي بالجانب السياسي مع شيء من العلاقات الاقتصادية المرتكزة على بيع سلع إسرائيلية متسترة «بماركات» دول آسيوية وأوروبية.
هنا لا بدّ من الإشارة الأساسية الى هذه العلاقات مع «إسرائيل» اقتصرت على التطبيع الدبلوماسي وسط رفض شعبي أردني ومصري وفلسطيني أرغم كل إسرائيلي يدخل اليهم الاحتماء بكتيبة أمنية على الأقل.
وللامانة، فان هذه الدول العربية، لعبت دور المعرقل لاي خطط عربية على المستويين الرسمي والشعبي تناهض «إسرائيل» وحولت جامعة الدول العربية جامعة أبو الغيط الإسرائيلية برعاية خليجية كاملة تولتها السعودية وقطر ودولة الامارات. لكن هذا الجانب لم يتجرأ على الاعتراف العلني بتطبيعه مراوغاً انما في إطار تعطيل أي ولادة لموقف عربي مشترك مجابه للكيان الإسرائيلي المحتل، أو للإرهاب الداعشي. إلا ان ما يحدث اليوم يشكل بوضوح تحوّلاً خليجياً علنياً صاخباً ابتدأ بمعاداة إيران وسورية والعراق وحزب الله في لبنان، حتى أدرك مرحلة الجهر بما كان يخفيه على مستوى علاقاته السياسية بإسرائيل وتنسيقه السري معها، ذاهباً نحو تحالف يتوغل باتجاه حلف خليجي ـ إسرائيلي واجهته أمن الملاحة بشعارات تزعم الدفاع عن الخليج وبأهداف حقيقية تجعل من العدو الإسرائيلي، «شقيقاً» مزعوماً يحارب من أجل الخليج، ويبادله هذا الخليج العذر والمحبة بمحاربة كل أعدائه.
هنا تذهب الأسئلة نحو تحديد هوية اعداء «إسرائيل»، فيجد المراقب ان السلطة الفلسطينية ليست في هؤلاء لأنها تطبع مع «الكيان المحتل» منذ تسعينيات القرن الماضي وترفض حتى الآن قطع علاقاتها وإلغاء التنسيق الأمني معه، فمن يجابه «إسرائيل» إذاً في فلسطين؟
انهما منظمتا حماس والجهاد ومعهما رهط من تيارات وجبهات وتيارات شعبية تواصل القتال من اجل فلسطين عربية متحررة من الإسرائيليين من جهة والأوصياء عليها من جهة ثانية الذين ينتحلون صفة تمثيل فلسطين.
بما يؤكد ان الخليج السعودي ـ الإماراتي البحريني يندرج في حلف مع «إسرائيل» لمحاربة «أعدائها» الفلسطينيين وهم حماس وشقيقاتها.
ربما لم يكن هذا الأمر بحاجة لبرهان لأن وزير خارجية «إسرائيل» يسرائيل كاتس اعترف انه زار ابو ظبي مشاركاً في العديد من المؤتمرات واللقاءات التنسيقية مع المسؤولين فيها، معلقاً مرحلة بدء علاقات أمنية واقتصادية والطريف انه كشف عن توافق مع الإماراتيين على خط سكك حديد من تل أبيب في فلسطين المحتلة الى الأردن والسعودية والإمارات متفرعاً نحو عمان وقطر ومرتبطاً بالبحرين بخطوط نقل بحرية.
أما الأهداف فتشمل تحالفاً عسكرياً سياسياً اقتصادياً كاملاً، بما يكشف قدرة إسرائيلية على دعم الخليج بالسلاح والقوة العسكرية والسلع الاقتصادية مقابل صناعات خليجية كبيرة ترتكز على تصدير البلح ومشتقاته. هناك إذاً حلف مهمته محاربة اعداء «إسرائيل» في فلسطين، والمنطقة، وتظهر سورية موقع العداء الأساسي للحلف الخليجي ـ الإسرائيلي لانها آخر ما تبقى من دول عربية مجاورة منذ تأسيس الكيان الغاصب في 1948، كما قاتل مجاهدون سوريون العصابات الصهيونية في ثلاثينيات القرن الفائت لذلك لن يتفاجأ أحد إذا باع الخليج الجولان السوري المحتل لـ»إسرائيل» بوحي من تغطيته الاميركية، كما يشمل هذا العداء حزب الله المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة و»إسرائيل» والخليج، بما يزيد من انكشاف الحلف الخليجي ـ الإسرائيلي واهدافه المعادية لفلسطين وطناً وأرضاً وشعباً، لذلك يواصل الخليج التحريض على حزب الله في لبنان والعالم بأسره.
ولا يُخفي هذا الحلف عداءه لإيران، وبما أن هذا البلد لم يعتد على بلد عربي منذ الفتوحات الاسلامية قبل ألف عام، فيجب البحث عن أسباب أخرى لهذا العداء الخليجي للجمهورية الإسلامية فلا يجد المراقب سبباً إلا في إطار العداء الإيراني للنفوذ الاميركي في الشرق الاوسط.
بشكل يشمل إصراراً إيرانياً سياسياً وعملياً على تحرير فلسطين، فالدعم الإيراني لمجاهدي غزة خير برهان على ربط طهران التأييد الكلامي بالدعم المادي المفتوح.
تكشف هذه المعطيات أن الحلف الخليجي ـ الإسرائيلي يندرج في اطار النفوذ الأميركي على اساس العداء المطلق لفلسطين وسورية وحزب الله وإيران. وهذا يشكل نقلة مدمرة لدول خليجية كانت تؤيد إسرائيل سراً وانتقلت للتأييد العلني وصولاً إلى تحالف لسبب وحيد وهو انها تعتبر عروشها أهم بكثير من العرب والمسلمين أجمعين ولأن الأميركيين الذين يغطونها يريدون منها مثل هذا التوجه فلن تتردّد بفعله للاستمرار في كسب الحماية الأميركية.
وإذا كان الخليجيون يضعون أنفسهم في وجه فلسطين، فإنهم يتناسون أن الفلسطينيين يجاهدون منذ حوالي سبعين عاماً لتحرير بلدهم ولم يستطيعوا. كما ان سورية انتصرت على تحالف غربي ارهابي فيه أكثر من ثمانين دولة، وكذلك حزب الله الذي ينتقل من نصر إلى آخر في وجه «إسرائيل» والإرهاب، وكيف لا تنتبه هذه الدول الى أن إيران صامدة في وجه أكبر قوى عالمية ولن تخاف من حلف إسرائيلي مع خليج ضعيف عسكرياً وقوي بالذهب فقط.
وهكذا ينكشف الموقع الحقيقي لدول الخليج التي وضعت نفسها ليس في وجه فلسطين فقط، بل في مواجهة العرب والمسلمين وكل شعوب الارض المؤمنة بحرية الشعوب وحقها في التطور.