تدخُّل السفارات ليس مفخرة… ومن يتعظ يعلم

ناصر قنديل

– ليست أول مرة تدخل فيها السفارات بإشارة بدء من السفارة الأميركية، في شأن داخلي خلافي لتقديم الدعم السياسي لفريق محلي تعلن تبنيه بين سطور بيان السفارة الأميركية، وصولاً للتمادي في توجيه الرسائل للقضاء وللعب على حبل التوازنات الطائفية والسياسية، لكن كم من مرة وصل الذين دعمتهم السفارة الأميركية ومن يسير على دربها من الغرب والعرب إلى تحقيق مكاسب؟ وماذا يقول التاريخ عن مصير الذين وقعوا في أوهام التفوق بقوة هذه التدخلات، وآخر هذه التدخلات كان التحريض على شبكة اتصالات المقاومة التي أوهمت أعضاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أنهم ليسوا وحدهم إذا شمّروا عن سواعدهم وهاجموا هذه الشبكة بنية اقتلاعها، والنتيجة معلومة عند الجميع، خصوصاً النائب السابق وليد جنبلاط الذي شكل رأس الحربة في حرب حكومة السنيورة على المقاومة يومها، بقوة وهم ما يعنيه تدخّل السفارة.

– تدخل السفارة الأميركية ومن سيسلك الدرب وراءها يجب أن يكون جرس إنذار للجميع بأن اللعبة المحلية ليست إلا رأس جبل الجليد للعبة دولية إقليمية كبرى، ربما تكون وقفت وراء ترتيب حادثة قبرشمون، أو في أحسن الأحوال ركبت موجتها ولا تزال تحرك دفتها للسير بلبنان إلى حيث تستثمر على الشقاق والأزمات والخلافات، حتى تمر المرحلة التي تريدها لتوجيه الرسائل الدولية والإقليمية التفاوضية من منصة أزماتنا، وبعدها لا يهم السفارة ولا مَن يقف خلفها من يربح ومن يخسر وماذا يحل بالذين بدت أنها تنتصر لهم وتلعب بأوهامهم ببيانات التدخل.

– الأسئلة الكبرى التي يفترض بالحزب التقدمي الاشتراكي عدم التسرّع بالقفز فوقها، هي قبل كل شيء: هل يمكن الجمع بين الحفاظ على دعم رئيس الحكومة وعلى بقاء الحكومة معاً على قاعدة المعركة المفتوحة مع رئيس الجمهورية؟ وهل من الممكن أن يخوض رئيس الحكومة معركة إسقاط حكومته، وإن حدث هذا تحت شعار وحدة قوى الرابع عشر من آذار الذي تنادي به السفارات بقوة حربها على المقاومة، والدعوة للفصل بين حزب الله والدولة، فهل يمكن الحفاظ على الموقع الوسط لرئيس المجلس النيابي، والداعم لإحاطة الحزب الاشتراكي بالعناية والرعاية، رغم خلاف الاشتراكي مع حزب الله، الحليف الاستراتيجي لرئيس المجلس وحركة أمل؟ وإن سقطت الحكومة هل سيُترك البلد دون حكومة؟ وهل سيكون مشهد وجود أغلبية يمكن تشكيلها من خلال السؤال من هم حلفاء حزب الله ومن هم خصومه، في زمن الحرب الأميركية عليه مستحيلاً؟ وهل سيكون الوضع عندها أفضل للذين يحظون بدعم السفارة؟

– في العام 2000 إستبق جنبلاط التوقيت الأميركي للحرب على العراق واستهدافها لسورية بإعلان المواجهة المبكرة مع دمشق، ثم اضطر رغم بيان مشابه من السفارة الأميركية بدعمه، إلى التراجع والبحث عن مخارج، وربما يكون اليوم يستبق حرباً أخرى لكن الفارق أن الحروب الأميركية كلها اليوم خاسرة، والفارق الأهم أن الأغلبية التي يعتقد الإشتراكي أنها تشاركه الخيار الرئاسي المقبل لن تتشكل الآن، ولا يمكن تشكيلها تحت شعار ترسمه السفارة الأميركية للمواجهة مع حزب الله، ويبقى الفارق ثلاث سنوات في المرتين.

اترك تعليقاً

Back to top button