14 آب ليس يوماً مضى بل صيرورة مستمرة… والمطلوب؟

ناصر قنديل

– في الرابع عشر من آب 2006 تحقق عظيم الإنجاز بما يقارب الإعجاز في نصر تاريخي هزم أعتى قوة يعتمد عليها الغرب في فرض سياساته على الشرق، وبزغ فجر حركات المقاومة لتعيد كتابة التاريخ وترسم حدود الجغرافيا باسم الشعوب التي غيّبت طويلاً عن قضاياها المركزية، حيث ترجمت المقاومة التي احتفلت بانتصارها كل شعوب المنطقة إرادة هذه الشعوب في تعبير نوعي عن مفهوم الديمقراطية والإرادة الشعبية. بالتوازي سقطت أحلام وتهاوت أبراج من الأوهام، حيث كل ما سيهدد به الغرب لاحقاً هو ما سبق وما فعله سابقاً، وكانت حرب تموز البديل الذي راهن عليه لاستعادة ماء وجهه بعد حربين فاشلتين في أفغانستان والعراق، لتشكيل شرقه الأوسط الجديد كما بات ما لا يحتاج دليلاً ولا برهاناً، وأصيبت «إسرائيل» في روحها، حيث لن تنفعها بعد ذلك لا قبب حديدية وفولاذية ولا خطط ترميم لقوة الردع ولا استعادة العافية لجبهة داخلية أصيبت بمرض عضال لا شفاء منه، وخرج الشعب في مسيراته المهيبة فجر الرابع عشر من آب يكلل النصر بالمزيد من التضحيات حاضناً مقاومته وفارضاً تفسيره للقرار الأممي 1701، وخرج الجيش اللبناني المتوّج بالثلاثية الذهبية مع شعب ومقاومة لا ينازعانه الحضور العلني لعروض القوة، كأقوى جيوش المنطقة بهذين الرديفين، لا تعوزه المساعدات ولا الرعاية الأميركية الهادفة لتجريده من أقوى ما عنده، وهو الثلاثية المقدسة التي أكدها النصر.

– الصيرورة المستمرة لمعادلات 14 آب ظهرت مع تعميم نموذج المقاومة من لبنان وفلسطين إلى العراق واليمن، وظهرت في النموذج السوري لمقاومة الغزوة الدولية الكبرى، وفي صمود إيران، وفي نهوض روسيا لدورها كدولة عظمى، وفي استفاقة التنين الصيني للمنازلة في ساحات الاقتصاد تمهيداً لمنازلات مقبلة في سواها. وفي هذه الصيرورة تأكدت معادلات نصر آب، وترسخت وتعملقت، وخلال الأعوام التي مضت حاول الأميركي والإسرائيلي وما بينهما من حكام الخليج والغرب، وبعض الداخل اللبناني والعربي والإسلامي تعويض نواقص الحرب ومعالجة أسباب الهزيمة، فكانت كل حرب لإضعاف المقاومة تزيدها قوة.

– قرأ المعنيون بالهزيمة على تنوّع مشاربهم وهوياتهم أن نصر آب هو نتيجة الطبيعة الخارجية للحرب، وأن تفوق المقاومة على جيش الاحتلال تقنياً جاء بفعل أسلحة لا قيمة لها في مواجهات داخلية، فكانت تجربة الفتنة الداخلية، من محاولة كسر الاعتصام الذي دعت إليه المقاومة وحلفاؤها في مطلع العام 2007، وصولاً لقرار تفكيك شبكة اتصالات المقاومة، تمهيداً لتوريطها في فخ التصادم مع الجيش وتفتيت الشعب إلى قبائل متحاربة، فكانت عملية 7 أيار، التي يقدمها البعض دليلاً على استخدام المقاومة لسلاحها نحو الداخل اللبناني، تأكيداً لمعادلة العجز الشامل عن كسر مصادر قوة المقاومة. ومثلها جاءت الحرب على سورية وما رافقها من استقدام كل منتجات الفكر الوهابي أملاً بتعويض عجز جيش الاحتلال عن بذل الدماء باستحضار من لا يقيم لها حساباً، فجاءت نتائج الحرب تقول إن مصادر قوة المقاومة لم تمسها لا محاولات الفتن الداخلية، ولا المواجهة مع تشكيلات الإرهاب التكفيري.

– اليوم ومع تسيّد معادلات المقاومة على مساحة المنطقة من مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب ومضيق جبل طارق، ومضيق البوسفور، وما بينها من بحار ويابسة، تبقى المعضلة في قدرة مشروع المقاومة على بلورة نموذج للحكم يُحاكي نجاحاتها في مواجهة العدوان والاحتلال والإرهاب، فيما السلاح الاقتصادي الهادف لتفجير معادلات الدول من داخلها يشكل أهم استثمارات المشروع الأميركي، ويبدو أن إعادة تنظيم الدولة الوطنية ومؤسساتها يسبق في الأهمية الحلول الاقتصادية والمالية التقنية في خطة المواجهة. وهنا لا بد من التأكيد أن بناء الدولة القوية كهدف يبقى هو العنوان، والمقاومة محور تحالفات عن يمينها وعن يسارها ما يكفي لموازين القوى اللازمة لمفهوم الدولة المرتجاة مع مراعاة ضرورات الواقعية والمرونة، وحيث يتحدث الجميع عن الدولة المدنية كإطار للحل، يتباين المفهوم حول طبيعتها، وتبدو المقاومة معنية ببدء الحوار الجاد حول هذا المفهوم خصوصاً مع حليفيها الاستراتيجيين في حركة أمل والتيار الوطني الحر ومعهما حلفاء أصيلون بالمناداة بالدولة المدنية ويحملون نموذجهم اللاطائفي إثباتاً على إمكان تخطي الطائفية، كما حمل مشروع المقاومة الإثبات على إمكانية هزيمة الاحتلال، وهؤلاء الذين يتقدمهم الحزب السوري القومي الإجتماعي متطلعون لهذا الحوار الجاد من موقعهم الشريك في مشروع المقاومة ومعاركها، والهدف هو البدء ببلورة مفهوم موحد، سيكون وحده الجواب على التحديات، خصوصاً ان الهواجس التي يثيرها طرح التيار الوطني الحر بالدعوة لتطبيق عنوان الدولة المدنية بما يتخطى إلغاء الطائفية كشرط للسير بها، ليست هواجس العلمانيين بل هي هواجس تمسّ ما يهتم به حزب الله من شؤون تتصل بدور الدين في الدولة وكيفية الفصل والوصل بينهما وضمن أي حدود. وما يثيره حلفاء حزب الله الذين يثير هواجسهم خطاب الحقوق المسيحية التي ينادي بها التيار الوطني الحر كتعبير عن تصعيد للعصبيات الطائفية، لا يخشونها من موقع طائفي وهم عابرون للطوائف، بل من موقع الحرص على عدم إثارة العصبيات، بينما في هذه اللغة ما يثير مباشرة هواجس قواعد وجمهور المقاومة وبيئتها الحاضنة.

– المهمة ليست سهلة، لكنها ليست أصعب من مقتضيات النصر في آب 2006، وأهميتها في كونها تكمل حلقات النصر، وتجعله مشروعاً وصيرورة، لا مجرد لحظة تاريخية مجيدة.

اترك تعليقاً

Back to top button