بين الحريري اليوم والسنيورة الـ 2006… ماذا تغيّر؟
محمد حميّة
لماذا يقف رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم الى جانب الدفاع عن لبنان ضدّ العدوان الاسرائيلي في حين أنّ رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في مرحلة الـ 2006 وقف الى جانب الولايات المتحدة الأميركية وقراراتها، وصولاً إلى رفع الغطاء عن حزب الله، من دون إغفال طلبه من الأميركيين آنذاك بحسب ما كشف مطلعون على المفاوضات، استمرار الحرب لإضعاف المقاومة إنْ تعذر القضاء عليها؟
فما هو الفارق بين مرحلة 2006 والمرحلة الحالية؟
لقد مرّ الرئيس الحريري بتجارب سياسية كثيرة. بات يجيد اليوم لعبة التنقل بين الألغام والرقص على إيقاع التوازنات الداخليّة لمصلحة استمراره في الحكم. وهذه التوازنات تُحتّم عليه بناء علاقات جيدة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، وهذا ما يفعله حالياً بتحالفه الذي بات علنياً مع الرئيس عون والوزير جبران باسيل الى جانب علاقته السياسية والشخصية والتاريخية العميقة التي لم تتغيّر مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. مع التوضيح أنّ الحريري ليس حليفاً لحزب الله، بل هناك علاقة ربط نزاع بين الضاحية وبيت الوسط مع إدراك الحريري الخطوط الحمر التي تدفع الحزب للاستنفار ضدّه، فضلاً عن أنّ علاقة الحريري مع السعودية أصيبت في صميمها بعد تجربته المريرة عندما اعتقلوه وأساؤوا معاملته، كما قال أكثر من مسؤول غربي، وأبرزهم الرئيس الفرنسي. ويذكر «وريث الحريرية» جيداً مَن وقف الى جانبه في محنته ومَن وقف ضدّه، فمعيار المصالح السياسية والاقتصادية لم يعُد وحده يتحكم باختيار تحالفاته والالتزام بها، بل أضاف اليها معيار الأخلاقيات السياسية. ما يخالف معايير السنيورة الذي قال الرئيس الراحل رفيق الحريري فيه في يوم من أيام الماضي الغابر: «إني متأكد بأنّ للسنيورة علاقات عميقة بالأميركيين منذ كان يعمل مديراً مصرفياً».
احتراف الحريري لقواعد اللعبة الداخلية والتماس الإشارات الإقليمية يجعله رجل المرحلة الراهنة الأفضل من بين رؤساء الحكومات الآخرين الذين كانوا ينتظرون إحراج الحريري فإخراجه من السراي الحكومية وأسرّوا لمقرّبين منهم بأنّ آمالهم تراجعت الى حدّ الاستحالة. فالحريري لا يدّعي تحالفه مع الضاحية رغم التقارب في ملفات عدة على طاولة الحكومة، حيث أصبح الحزب داعماً لبقائه في سدة الرئاسة الثالثة لا بل مسهلاً له مع الحلفاء وحلفاء الحلفاء، ويكفي غضّ طرف رئيس المستقبل عن دور الحزب في الدفاع عن لبنان ليتحقق هذا التوازن المفقود في مرحلة السنيورة الذي كان يحتاجه لبنان والمفاوض نبيه بري ليحسّن شروط التفاوض مع «إسرائيل» والأميركيين ويحقق المزيد من المكتسبات، علماً أنّ السنيورة يفتخر أنه عرّاب القرار 1701 لكن حقيقة الأمر أنه كان ثمرة صمود المقاومة والأداء المميّز لرئيس جبهة الحرب السياسية الدبلوماسية نبيه بري.
لا بدّ من ذكر الفارق بين المشهد الإقليمي في 2006 والآن. في الأول كنا في أوْج الهجمة الأميركية على المنطقة من إسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق 2003 والحرب على حزب الله وصولاً الى ما يُسمّى «الربيع العربي» والحرب الكونية على سورية، أما الآن فهناك تقهقر للمشاريع الأميركية وللقوة العسكرية الإسرائيلية مقابل تقدّم وانتصار محور المقاومة في جبهات عدة، ما انعكس على الوضع السياسي في لبنان لمصلحة فريق المقاومة تجلّى بوصول عون الى بعبدا ثم فوز فريق المقاومة والتيار الوطني الحرّ بأغلبية المجلس النيابي انعكست أيضاً أغلبية حكومية. وهذا ما يدركه الحريري بقراءته جيداً لموازين القوى في الداخل والإقليم، كما أنّ السعودية حينها كانت تستفيد من الاجتياحات الأميركية لتعزيز هيمنتها على العالمين العربي والإسلامي، أما الآن فتقلّص هذا الدور إنْ في الخليج أو اليمن وحتى في سورية والعراق ولبنان.
أنتج العدوان الأخير مجموعة من الحقائق تُعزّز نظرية حلف المقاومة ومفهومه للدفاع عن لبنان وطبيعة الاستراتيجية الدفاعية.
الحقيقة الأولى: أنّ «إسرائيل» لا تنتظر هجوماً عليها لتشنّ حرباً على لبنان. وهذا كان عمق النقاشات بين القوى السياسية في حرب تموز. والدليل هل كان عدوان المُسيَّرات رداً على عمل عسكري لحزب الله؟
الثانية: أنّ موقف الحريري يعكس موازين قوى محلية وإقليمية. فالمملكة لا تستطيع الخروج فوق السقف الأميركي الذي يسعى لإبرام اتفاق جديد مع إيران، لذلك غضّت الطرف عن موقف الحريري.
الثالثة: لم تستطع «إسرائيل» تطويع سُنة لبنان ظناً منها أنّ علاقاتها مع بعض الدول العربية والخليجية كفيلة بتطويع سُنة المنطقة وإلحاقهم بزمن التطبيع، فها هو مجلس المفتين في لبنان يعبّر في موقفه عن انسجام تامّ مع الموقف السياسي للطائفة السنية الذي عبّر عنه الحريري، وبذلك ثبت سُنة لبنان الى جانب سُنة سورية وفلسطين ومعظم الشعوب العربية والإسلامية رفضهم لصفقة القرن.
الرابعة: تراجع وتقلص مدى الاعتراض على دور المقاومة وسلاحها على ثلاثة مستويات:
الرسمي فقد انضمّ رئيس الحكومة بموقفه الأخير الى رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي ليكتمل المشهد الرئاسي والرسمي بالرئاسات الثلاث ومجالس الوزراء والنواب والأعلى للدفاع.
وعلى الصعيد السياسي، فقد سُجِل تقلص كبير لحجم القوى السياسية التي تتهجّم على المقاومة عند كلّ حدث وموقف، لا سيما تيار المستقبل ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط باستثناء اعتراض خافت للقوات اللبنانية لم يُسمَع حتى من الوزراء داخل الجلسة وبقايا 14 آذار كالنائب فارس سعيد واللواء أشرف ريفي وبعض المستقبليين غير المنضبطين.
أما الشعبي، فإجماع لبناني بمختلف القواعد والشرائح والمناطق على إدانة العدوان والتضامن مع أهالي الضاحية والتأييد الكامل لأيّ وسيلة للدفاع من بينها المقاومة.
هذه الحقائق تشكل قاعدة الانطلاق لأيّ استراتيجة دفاعية مرتقبة تحدّد العلاقة بين الدولة والمقاومة.
فأحد أهداف العدوان الأخير وضع الاستراتيجية الدفاعية على الطاولة وتدويل أوسع لملف الحدود من رقعة 1701 و1559. والدليل تزامن العدوان مع تصاعد الحديث عن توسيع انتشار وصلاحية القوات الدولية والحديث عن المعابر غير الشرعية على الحدود السورية اللبنانية، وكلّ ذلك عشية عودة الحريري من واشنطن!
جاءت مُسيَّرات الضاحية لتشكل امتحاناً حياً عن حاجة الدولة للمقاومة وليس حاجة الشعب فقط، وثبتت المقاومة بالميدان مجدّداً أنّ المعادلة الحالية الجيش والشعب والمقاومة هي الاستراتيجية الدفاعية المطلوبة للمرحلة الحالية.