الاستنزاف والترقب نصف ردّ… والنصف الثاني مؤلم
ناصر قنديل
– يناقشون في مراكز القرار السياسي والعسكري للكيان طبيعة رد المقاومة وموعده، وهم واثقون من أن الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يندرج تحت عنوان الوعد الصادق، وهو بالتالي سند مستحق السداد، ولا ينتظر توافر الإمكانية الموضعية لهدف المحدد ولا القدرات اللازمة لبلوغه، بل القرار التنفيذي المبنيّ على معطيات تتصل بالتوقيت الأمثل وطبيعة الهدف الأنسب، والتداعيات التي تضمن تصحيح قواعد الاشتباك وتضع الكيان أمام خيرات الابتعاد عن العبث برهانات الضربات المبرمجة.
– لضبط النفس والتهدئة مفهوم واحد الآن، ولا تجدي في تغييره الاتصالات الأميركية والغربية والعربية بالمسؤولين اللبنانيين، تحت شعار تفادي التصعيد بالضغط على المقاومة لتجنب الرد أو تأجيله، أو جعله رمزياً يمكن لكيان الاحتلال التغاضي عنه بعدم الرد عليه، ويمكن للمقاومة احتسابه تحقيقاً لوعد السيد نصرالله بالرد الحتمي، فقادة الكيان يعلمون أن مفهوم ضبط النفس لدى المقاومة هو واحد، أن يضغط العالم على قادة كيان الاحتلال كي يبتلعوا الرد ويعضّوا على الجرح والألم، والمقاومة التي لا تريد الحرب تريد إيصال رسالة مفادها أنها لا تخشاها، وعلى الكيان الذي يريد الحرب ولكنه يخشاها أن يترجم ذلك بامتصاص الغضب والجرح عندما يتلقى الضربة.
– في الكيان يناقشون الفرضيات والاحتمالات، فيتحدّثون عن متلازمات تحديد التوقيت ويضيعون بين رد يأتيهم قبل الانتخابات، ويقولون إن لذلك مبرراً يتصل بتدفيع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فاتورة تلاعبه بقواعد الاشتباك ومحاولة توظيفها انتخابياً، ثم يعودون فيقولون ربما يستغلها نتنياهو للرد بالتصعيد عله يتخطى الانتخابات ومخاطرها ويؤجلها بذريعة الأوضاع الأمنية، ثم ينتقلون لفرضية الضربة بعد الانتخابات فيقولون ربما يناسب المقاومة التعامل مع كنيست ممزق بلا حكومة على الأرجح، وإن فاز نتنياهو فالمرجح بقاء عجزه عن تشكيل حكومة، واسترهانه لمعادلات الردع وسيكون عاقلاً شديد الواقعية ويصمت، وإن فاز خصومه فسيجدونها فرصة لتحميله التبعات والانكفاء من مشهد التصعيد، لكنهم يستدركون، أن المقاومة ربما تعتبر ما بعد الانتخابات فرصة لترسيخ قواعد جديدة، وربط ما جرى قبلها بما كان قبلها وطي صفحته فيعودون إلى حيص بيص، قبل أم بعد؟
– في الكيان يناقشون الأهداف أيضاً، فيتوقعون خطفاً أو قنصاً للجنود والضباط، فيقررون التراجع عن الحدود سبعة كيلومترات، ويقولون ربما يكون القنص أو الخطف من البحر، فيتوقفون عن الدوريات على الشواطئ، ثم يقولون ربما يكون الردّ برميات صاروخية، فيبدلون مواقع عديدة ويغيّرون جغرافية معدات حساسة وشخصيات ذات قيمة علمية واستخبارية، ويتحدثون في نومهم عنها فيتخيّلون طائراتهم المسيرة التي سقطت بلا إسقاط، قد قامت بشيء مشابه يؤذي المقاومة، فينشرون في إعلامهم ما يعزي النفس كمن يحدث نفسه ويغني خلال سيره في المقابر تبديداً لوحشتها، ويصل بهم التحليل إلى فرضية استخدام المقاومة لطائرات مسيرة لرمزية الردّ وربطه بالموضوع، وبعدما يقومون بكل ذلك وهم مستنفرون تعبون مرهقون، ينفقون مالاً ووقتاً وجهوداً لتخفيف الخسائر، ينتبهون أن هذا التعب والانتظار والقلق والمال والجهد والوقت هو نصف الرد، وأن نصف الرد الباقي آتٍ لا محالة وسيكون مؤلماً وحسب.