بولتون كبش الفداء..
سماهر الخطيب
تختلف الولايات المتحدة الأميركية عن غيرها من الدول من حيث نظام الحكم فيها وآلية تبادل السلطات وتعيين الوزارات. فالإدارة الأميركية ليست إلا إدارة مكونة من رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس الذين يعينهم المدير كفريق له في العمل يقوم كل منهم بإعداد تقرير عما أوكل إليه من مهام وعلى رئيس الإدارة التقييم أوالاستعانة به في إصدار القرارات إنما ليكون هذا الفريق متماسكاً ومتجاذباً يجب أن يكون متوافقاً مع عقلية مديره..
فما بالك بعقلية مديرها التجاري الذي ساهمت سياسته في ضرب التناقضات الجيواستراتيجية، إذ لا يمكن التكهّن بسياسته «المونرية» التي تعتمد استراتيجية «أميركا أولاً» ليس فقط على حساب الدول، بغضّ النظر عما إذا كانت حليفة أو معادية لها، إنما لا يستثني فريقه وإقالة من لا يصفق له ويرفع لأعماله القبعة حتى لو كان الأمر مجرد تغريدة في «تويتر»..
ورغم التساؤلات التي تطرح عن استمرارية سياسة ترامب داخل الإدارة الأميركية ومدى تجانس الفريق الإداري والاستراتيجية الداخلية والخارجية، بعد أن شهدت رئاسة ترامب عدداً قياسياً من الإقالات والاستقالات والتغييرات.. إلا أننا إذا ما عدنا إلى شخصية ترامب نجد عبارة «لا أثق بأحد» تحوم حول تلك الشخصية المثيرة للجدل في البيت الأبيض، وهذه المقولة تحيط بسيرته في ميدان حياته كاملة سواء أكان رجل الأعمال أو الإعلامي أو حتى السياسي، فلا أصدقاء دائمين ولا مستشارين دائمين ولا مصلحة دائمة كما لا شراكة دائمة..
كما أنّ الهوس الأكبر لترامب هو «الغولف» وملعبه المتغني فيه بين الحين والآخر ربما قد استحوذ بقواعده على النظرية الدولية وبات يحكم وفق قواعد «لاعب الغولف» الناجح!
وبالتمعّن في إدارته التي حطمت الرقم القياسي في تغيير مسؤوليها بين الحين والآخر، لا تختلف عن تبديل «عصا الغولف» فتلك قاعدة لممارسة اللعب المتقن ولكل عصا دور تقوم به، ناهياً لتلك التبديلات ببعض الضربات الخفيفة غير القويّة، «وإلا تخرج عن قواعد اللعبة». وهذا ما يفسر تغيير المساعدين له ضمن إدارته وتوجيه تصريحات خفيفة لمنتقديه ومحبيه.
ومن هذا المنطلق يمكن فهم خروج جون بولتون كمستشار للأمن القومي، ليلحق بوزير الدفاع جيمس ماتيس وبعده باتريك شانهان والسفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هايلي، وقبلها وزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن، وقبلها وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومدير مكتب التحقيق الفدرالي جيمس كومي وغيرهم.
كما أنّ خروج بولتون ليس بالمفاجئ، مع تنامي الخلافات بينه وبين ترامب حول فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وأخيراً أفغانستان.
تناقض الشخصيتين في صنع السياسة ومقاربة الصفقات، دفع ترامب الذي يبحث عن «الوهج الإعلامي والمروّج لحملة انتخابية جديدة يعتلي فيها عرش البيت الأبيض من جديد، سواء بزيارة المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، أو اقتراح دعوة طالبان إلى منتجع كامب ديفيد، أو إمكانية دعوة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الى البيت الأبيض». ما دفع ترامب إلى استبعاد بولتون المتشدّد بأفكاره، والملتزم بأساليب تقليدية لصنع السياسة، فالأخير كان يفضل عدم مكافأة كوريا الشمالية قبل تخليها عن السلاح النووي، والتشدّد مع روسيا وفنزويلا، وكذلك الابتعاد عن حوار مباشر مع إيران..
إنما في المحصلة، خروج بولتون لن يصنع أو يفشل اتفاقات وصفقات يريدها ترامب. فلم يمنع وجوده من انفتاح ترامب على كوريا الشمالية، ولا هو أوقف زلماي خليل زاد من عقد تسعة اجتماعات مع طالبان في الدوحة ولا حتى استطاع إعاقة استعدادات ترامب للاجتماع بالرئيس الإيراني حسن روحاني.
وترامب الذي لا فرق لديه بين القضايا الدولية والصفقات العقارية يعتقد أن بإمكانه أخذ كل ما يريد من تنازلات من خصومه، بالمفاوضات، يبدو من خلالها كما «سمسار العقارات» و»التاجر الفلهوي» يسمسر بسياسات وقرارات متناقضة ومتباعدة في ما بينها من حيث الدقة والحس السياسي لتبدو سياسته الخارجية بـ»لا عدو ولا حليف» أكثر ما يثير التساؤل والاستغراب، سعياً منه لإيجاد واقع جديد يتماشى مع المصالح القومية الأميركية.. ولهذا لم يتوقف عن استجداء اللقاءات مع رئيسي كوريا الشمالية وإيران، وحينما يفشل يكون أحد أعضاء فريقه «كبش الفداء»، وربما بولتون هذه المرة هو «الكبش» لعقد القمة المرتقبة لترامب مع نظيره الإيراني على هامش اجتماع الجمعية العامة في نيويورك بعد أُسبوعين.
وبالنسبة لملفات المنطقة على «الطاولة الترامبية»، فخروج بولتون يعني تولي فريق أكثر تجانساً لإدارة تلك الملفات، ونفوذ أكبر لبومبيو في صنع السياسة الخارجية الأميركية ربما يسعى خلاله ليكون بريجنسكي ثانٍ في إدارته لملفات المنطقة..