إقالة بولتون تكشف انقساماً بين «الجمهوريين».. وإيران أكثر المستفيدين

روزانا رمّال

كان للصقر الأميركي الجمهوري «المُقال» من مهامه كمستشار أمن قومي جون بولتون خطاب في باريس في تموز عام 2017، مخصص لحشد غفير من الإيرانيين المعارضين للنظام الحالي في إيران على ما بدا تجمّعاً سنوياً يواظب بولتون على عدم التغيّب عنه منذ أكثر من 10 سنوات، باعتباره الحدث الأهم القادر على إرسال رسائل مباشرة لهؤلاء المعارضين بأن إمكانية العودة إلى بلادهم من بوابة أخرى غير الجمهورية الإسلامية الحالية ممكنة، وأن لا يفقدوا الأمل بالحليف الأميركي طالما أن فيه مَن يتمسّك بخيارهم وأن امكانية تغيير النظام ليست حلماً، بل هي اقرب مما يظنون وبالتأكيد استند بولتون الى نجاح الفوضى بالحراك الشعبي بإسقاط انظمة في المنطقة.

استرسل بولتون في قاعة الاحتفال بالشرح عن ضرورة إسقاط النظام الإيراني الذي أسماه نظام «الملالي» ليكشف للحاضرين أن بإمكانه أن يجزم هذه المرة الأولى منذ ثماني سنوات يكون هناك رئيس للولايات المتحدة الأميركية معارض بالكامل لوجود النظام الإيراني، وهو الرئيس دونالد ترامب. وقال «إن سياسات وتصرفات النظام الإيراني لن تتغير، لهذا فإن الحل الوحيد بالنسبة إلينا هو تغيير هذا النظام. ولهذا السبب وقبل عام 2019 سنحتفل جميعاً في طهران». هذا الكلام لقى ترحيبا كبيرا حينها من الحضور وعلا التصفيق آملا برئيس لا يشبه الرؤساء وهو الأكثر جرأة على ما بدا لهم بالعداء لإيران.

وبالفعل ساء المشهد بالكامل حيال كل ما يتعلق بعلاقة إيران بالمجتمع الدولي منذ تعيين بولتون مستشاراً للامن القومي وقد خرجت إيران من الاتفاق النووي بشكل صريح وارتفعت حدة العقوبات الأميركية عليها. وفي الوقت نفسه ارتفعت وتيرة الترويج لضرورة شن حرب أميركية على إيران بأي ثمن، وهو الامر الذي كانت تترقبه المنطقة منذ قرابة الشهر والشهر ونصف تقريباً الامر الذي اخذها نحو حسابات جديدة ومغايرة بالكامل.

اولة خيبات المستشار بولتون انها تبينت امام حزبه كجمهوره اولا وللعالم المترقب ثانياً انه لا يوجد ادنى توافق بين ترامب وهو جمهوري ايضاً وبولتون على اي من نقاط الاستراتيجيا التي تحكم واشنطن اليوم. وتبين ان الشرخ موجود بين الجمهوريين انفسهم في الادارة الأميركية حيال المنطقة. والامر لا يتعلق هنا بطباع او تلبية اوامر وانصياع بل برؤيا استراتيجية متعارضة مع بعضها البعض.

لعل اول رسائل اقالة بولتون توجه لإيران اليوم التي تتسلم يومياً رسائل مباشرة وغير مباشرة حول رغبة أميركية وتحديداً ترامب بلقاء مع قريب مع روحاني يعوّل على ان تكون الامم المتحدة مدخلا له، اما ثانية الرسائل فهي الاقالة ايضا لطهران بان فرضية الحرب سقطت بغياب مؤيديها في الإدارة، بل والمحرضين عليها. فمعروف ان بولتون كتب مقالا في 2015 نشر مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «لوقف إيران يجب قصف إيران». التصعيد ايضا طال كوريا الشمالية وفنزويلا واذ برؤيا بولتون بعيدة عن الواقع وأعجز من ان يتم تبنيها في الوقت الراهن فكيف بالحال والرئيس الأميركي الحالي هو اقتصادي يرغب بتعزيز نمو الاقتصاد والمال والعمل والأعمال في كل انحاء البلاد ولا يرغب بشن حروب تسحب منه هذه الفرصة فيصبح مثل اسلافه.

لكن وباي حال من الاحوال وبما ان الادارة الأميركية تبني سياساتها لا على رغبة رجل، بل على تقديرات دقيقة تجعل منها تابعة لمؤسسة هي بالواقع نظام مثبت ومتين، فإن إقالة بولتون بالتحديد وبعيدا عن اي شخصية اخرى لها شرحها الخاص لانه أحد رموز الولايات المتحدة المتشددين ويكاد يكون آخر صقور الجمهوريين من حقبة اجتياح العراق ومرحلة الذروة التي وصلت اليها الولايات المتحدة الأميركية أثناءها في المنطقة اي ان هذا القرار جريء جداً لا يتبناه ترامب وحده بدون اسباب ومبررات كبيرة وواضحة لا تضع الحزب الجمهوري بموضع تشكيك. وبالتالي فان المرحلة الأميركية بعد بولتون بالحد الأدنى هي مرحلة تشبه العودة للوضع السابق ما قبل تسلمه المهمة «القومية» وهي تبريد الاحتقان والعودة للمفاوضات وتحديداً بما يتعلق بإيران والملف النووي.

الكيمياء معدومة بين الرجلين. صار هذا واضحاً، لكن اللافت للنظر عدم تيقن بولتون منذ أن تسلم مهمته أن ترامب ليس الرجل الذي يعادي إيران بالكامل كما أكد في خطابه المذكور بباريس وهذا سوء تقدير كارثي بعد أن تبين أن لترامب رغبة كبيرة بالحوار مع إيران والتخلي عن حروب لا طاقة لواشنطن وحلفائها بها في الوقت الراهن.

سلسلة إقالات تعيشها الادارة اليوم كما كل فترة، لكن لا شك ان لوقع اقالة بولتون تفسيراً آخر عالجته اغلب الصحف الأميركية باعتبار أن التعامل مع الخبر ليس عادياً، وهنا من المفيد التذكير باقالة جايسن غرينبلات ايضاً وهو الرجل الأول المعني بالترويج لصفقة القرن لتصبح الريبة مشروعة لدى تل ابيب بالحالتين.

الحزب الجمهوري الأكثر دعماً للتصعيد العسكري يفقد اليوم بطرد بولتون قوة الرؤيا التي يتمتع بها حيال مفهوم «القوة» وفلسفتها ليصبح ما يخطوه ترامب نقلة نوعية حيال تعدد آراء هي اليوم انقسام بحد ذاته داخل الحزب الواحد. ولعل هذا يؤكد ان العودة لسياسة باراك اوباما التي رفضها ترامب بالكامل هي الأكثر مقبولية في الوقت الراهن واي رهان خارج هذا الاطار هو تضحية من ترامب بفوزه بولاية ثانية.

اترك تعليقاً

Back to top button