عملية أرامكو… ومقايضة ساحات الاشتباك
ناصر قنديل
يكفي ما قدّمه الأميركيون والسعوديون من وصف لعملية أرامكو لمعرفة التطوّر النوعي الذي مثّلته في الاشتباك الكبير القائم بين واشنطن ومن خلفها كل جماعاتها من جهة، ومحور المقاومة من جهة مقابلة. فهي تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر، وتهديد للاقتصاد العالمي، ومصدر لخطر خراب خدمات أساسية في السعودية كتأمين الكهرباء والماء والغاز والمشتقات النفطية، وهي سبب لتدهور أسواق الأسهم وارتفاع أسعار النفط، ولعجز السعودية عن ضخ ما يلزم لاستقرار هذه السوق ما استدعى أوامر الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي لمنع حدوث أزمة نفطيّة.
يمكن تفهم صعوبة تقبل الأميركيين والسعوديين لكون أنصار الله قد نجحوا بتنفيذ ضربتهم النوعية، وامتلكوا جرأة الإقدام عليها. فالضربة قاسية ومؤلمة ونوعية، وقبول أن أنصار الله وراءها يضع أميركا في موقع الفشل الكبير في حماية سوق الطاقة العالمي من الاضطراب، وقبول أن مَن أفشلهم هو بعض شعب محاصر منذ سنين يعني إتهامه بتهريب الأسلحة فشلاً في الحصار، والقبول بقدرته على التصنيع، تمجيداً لمكانته ومعنوياته ومقدراته. وقبول قدرته على خرق منظومات الرادار والصواريخ والمخابرات، إعلان هزيمة مدوّية لمنظومة تكلّف مئات مليارات الدولارات، يصعقها اليمنيون بمنظومة لا تكلّف إلا آلاف الدولارات، مضافاً إليها عامل تثقيل بستة أصفار هو الإرادة. والقبول بالتالي بأن إثارة قضية الأمن السعودي مشروطة بأمن اليمن وما يعنيه من وقف للعدوان والحصار.
الهروب الأميركي نحو اتهام إيران، لن يحسّن حال المعنويات الأميركية والسعودية إلا مؤقتاً باعتبار مَن استهدف أمنهم وقام بهزه وإفشاله، دولة كبرى في المنطقة وليست حركة فتيّة محاصرة، ويجنبهم ربط وقف الاستهدافات للأمن السعودي والنفطي بوقف العدوان والحصار على اليمن، لكنه سيطرح تحديات من نوع آخر، فهو يقول إن إيران أطلقت صواريخ كروز، وهذا يعني أن الحجة القديمة عن صعوبة ملاحقة الطائرات المسيّرة بالمنظومات الدفاعية الصاروخية يفقد معناه، طالما أن هذه المنظومة مصمّمة لمواجهة صواريخ الكروز، فماذا يعني فشلها؟ وهو يقول إن إيران تستفز واشنطن لاستدراجها إلى حرب، فماذا ستفعل واشنطن؟
الحقيقة أن محور المقاومة ككل، يدرك أن واشنطن وحلفاءها اختاروا ميداناً للمواجهة يملكون التفوق فيه وهو الحرب المالية، هرباً من ميدان قالت مواجهات السنوات الماضية إن محور المقاومة يتفوّق فيه وهو ميدان المواجهة العسكرية، لذلك يجب أن يعلم الأميركيون ومَن معهم أن محور المقاومة بكل مفرداته ومكوّناته، يذهب بوعي لإشعال ميدان المواجهة العسكرية، وصولاً للحظة مقايضة ساحات الاشتباك، وقف الحرب المالية مقابل وقف الحرب العسكرية، أو دخول الحربين معاً، فيربح المحور واحدة ويخسر واحدة، لكن خسارة واشنطن للحرب العسكرية ستسقط معها أشياء كثيرة سيكون مستحيلاً بعدها الحديث عن مكان لواشنطن وجماعاتها، ولتفادي ذلك عليها أن تصل لتسوية في الإثنتين، فتتفادى واشنطن وجماعاتها كأساً مرّة في الميدان العسكري، ويتخلص المحور من كأس مرّة في الميدان المالي، والآتي أعظم حتى تختار واشنطن، من إسقاط طائرة التجسس الأميركية العملاقة إلى أفيفيم إلى أرامكو.. وما بعد ما بعد أفيفيم وأرامكو!