كتاب مفتوح إلى وزير الاقتصاد
ناصر قنديل
– نحمل لمعالي وزير الاقتصاد الأستاذ منصور بطيش كل التقدير والاحترام لعلمه وخبراته ومناقبيته، وسمعته النظيفة، ولذلك نتوجّه إليه بهذا الكتاب الذي أردناه مفتوحاً ليكون رسالة يتشارك في قراءتها مع سائر المسؤولين في الحكم والحكومة، ومع سائر القوى المعنية بمظاهر وجوهر أزمتنا الاقتصادية بعناوينها التي تعني الاقتصاد أصلاً، وتباعاً تفرعاتها المالية والنقدية. ولا يطال طموحنا في هذا الكتاب فتح نقاش جذري للأزمة وأشكال الحلول ومضامينها، ولا خلفيات الأزمة وتشعباتها، فما نريده بسيط ومباشر ويتصل بالمظهر الأكثر حضوراً وإرباكاً للناس والأسواق، من تظاهرات الأزمة الواحدة، وهو غياب الدولار من الأسواق وكيفية التعامل معه. وهو شأن يتصل بعمل وزارة الاقتصاد خلافاً للظاهر منه، بصفته شأناً نقدياً يختص به وبعلاجه مصرف لبنان والمصارف التجارية والصرافون.
– معالي الوزير الشديد الاحترام، تعلمون كما نعلم جميعاً أن التدابير التي اتُخذت من قبل مصرف لبنان، ولو غير مكتملة، ولو بعد تأخير، قدّمت الضمانات للمستوردين في قطاع المحروقات خصوصاً، بإيجاد آلية تضمن تغطية اعتمادات الاستيراد بالعملات الصعبة، ما يعني انتقال معادلة دولرة سوق النفط إلى الحلقة الأخيرة، أي حلقة الاستيراد المباشر بين الشركات الكبرى والمصارف المعنية ومصرف لبنان. والسؤال ببساطة، كيف يمكن السماح لشركات مستوردي المحروقات بالإصرار على مطالبة أصحاب المحطات التسديد بالدولار؟ وهذا أمر يتصل مباشرة بعمل مصلحة حماية المستهلك وشروط التسعير وعملة الفوترة. وهي أمور جوهرية في كل اقتصاد وطني، معافى أو مريض، في لبنان أو اليابان، لأن الفوترة بالعملة الأجنبيّة جريمة اقتصادية، من دون أن يمنع ذلك المشتري من الدفع بأي عملة وفقاً لجدول أسعار الصرف، الذي يدخل هنا الفارق فيه بين بلد وبلد، بلاد كلبنان سوق القطع فيها حر وبلاد تعتمد سوق القطع المنظم، ولا أحد يدعو لتغيير وتقييد نظام القطع عندنا وتقييد حريته، لا نتحدّث عن حق المشتري بالدفع بالعملة الصعبة لمن يرغب، بل عن لا أحقية البائع بالفوترة بغير عملة البلد الوطنية، وحقه وواجبه أن يقبض بأي عملة يدفع بها المشتري ما يعادل قيمة فاتورة صادرة أصلاً بالعملة الوطنية حصراً، وليس كإضافة شكلية تجميلية. وعندما تصدر شركات استيراد وتوزيع المحروقات فواتيرها بغير العملة الوطنية، وتقوم المحطات يومياً بتحويل مبيعاتها من السوق المباشر للصرف، وشبابيك الصرافين، ينشأ سوق طلب على العملة الصعبة حجمه يقارب مئتي مليون دولار شهرياً، لا مبرر اقتصادي أو مالي له سوى المضاربة.
– معالي الوزير الشديد الاحترام، مثل هذه الحالة مكررة مع سوق مولدات الكهرباء، التي تمثل قرابة مئتي مليون دولار أخرى شهرياً، ويجري إصدار فواتيرها بالعملات الصعبة عموماً، وبالليرة اللبنانية نادراً، وأخطرها ما يجري مع شركات الخلوي، لأنها مملوكة من الدولة، وعائداتها للخزينة، ولا تُصدر فواتيرها إلا بالعملة الأجنبية، دون أن يسأل أحد لماذا، وتشكل أيضاً مبلغاً موازياً شهرياً، يقدر بمئتي مليون دولار وأكثر، أي أن ستمئة مليون دولار شهرياً، أو سبعة مليار دولار سنوياً، تتحوّل إلى مصدر للمضاربات في شبابيك الصرافين، ليؤمن اللبنانيون الذين يتشكل مصدر دخل أغلبهم الكاسح لحدود 90 من ليرات لبنانية، يحملونها إلى الصرافين لاستبدالها بالعملة الأجنبية لسداد فاتورة صادرة عن شركة لبنانية تملكها الدولة اللبنانية. وهذا أمر يجري، على مستوى كل بيت، كل يوم، لشراء بدل فواتير هواتفهم ومولداتهم، إضافة لما تقوم به محطات البنزين بالنيابة عنهم، لسبب غير اقتصادي، وطالما أن استيراد مكوّنات سلع هذه المصادر الثلاثة بات محسوماً أنه على عاتق الدولة ومصرف لبنان، رغم حاجة الإجراءات إلى المزيد من التوضيح والاستكمال، فإننا ننتظر بالتوازي من وزارة الاقتصاد، موقفاً شديد القوة لقمع ومنع كل فوترة وتسعير بغير العملة الوطنية، خصوصاً في شركات الخلوي، وشركات المولدات وشركات توزيع المحروقات.
– بالتوازي ندعو اللبنانيين لدعم أي إجراءات تتخذها الوزارة بهذا الاتجاه، عبر الامتناع عن تسديد أي فواتير بالدولار، وإيداع ما يعادلها بالليرة اللبنانية وفق السعر الرسميّ عبر كتّاب العدل لصاحب الجهة المستفيدة، لضمان ملاحقتها قضائياً في حال الامتناع عن القبض بالليرة اللبنانية، ومشاركة مراقبي حماية المستهلك في ملاحقة أي مخالفات لهذا المبدأ الاقتصادي البديهي الذي صار الشواذ عنه هو البديهي، ككل شيء في لبنان الذي عرف عبثاً لامتناهياً في مفهوم الدولة والقانون والوطنية، وصارت الدعوة إليه مثار استغراب وتستدعي أسباباً موجبة وأحوالاً طارئة.