متى ينتفض الأكراد على «قسد»؟
د. وفيق إبراهيم
هذه انتفاضة مأمولة ومتوقعة بين حين وآخر، لأن ارتماء منظمة «قسد» الكردية في أحضان الأميركيين من دون أي تحفظ، واحتياط، سمح للرئيس الأميركي ترامب بيعهم في اللحظة المناسبة لسياسات بلاده.
أراد زعزعة العلاقات الروسية التركية، وتأمين بديل جديد يعمل في إطار خطة البيت الأبيض منتقياً تركياً صاحبة المطامع في سورية والعراق، لانعكاساتها على أكرادها الذين يزيدون عن 15 مليون نسمة، ويعملون عبر حزب العمال الكردستاني للانفصال عن تركيا.
هناك، إذاً هجوم تركي ضخم على كامل المناطق التي تضمّ أكراداً وعرباً وأشوريين وسرياناً في مناطق تبدأ من حدود سورية بطول 480 كيلومتراً وعمق قد يتجاوز الثلاثين كيلومتراً مغطى من الأميركيين رسمياً وسط حيادية روسية معارضة أوروبية وعربية، وإعلان من «قسد» أنها بصدد مقاومة العدوان التركي، لكنها طلبت من الأميركيين إعلان حظر للطيران في مناطق الاشتباكات، ولم تفعل واشنطن ذلك، لأنها مؤيدة للهجوم التركي.
الواضح حتى الآن أنّ «قسد» لا تزال تتصرّف بغرابة وعلى طريقة من يريد الانتحار او أنها مطمئنة لهمسات أميركية طمأنتها بأنّ الهجوم التركي محدود عند خط عمق العشرة كيلومترات وأهدافه الفعلية إنهاء التحالف القائم بين ثلاثي استانة وسوتشي أيّ روسيا وتركيا وإيران.
وكما صدقت «قسد» حلف الأميركيين معها في الثلاث سنوات الماضية، تتجه حالياً وسط أعنف هجوم تركي يستهدفها كبنية عسكرية ومشروع سياسي الى تصديقهم مرة أخرى.
من جهتهم، استوعب الروس هذه الأهداف، معتبرين أنّ هذه الحرب، تندلع بين تركيا التي بدأت منذ سنة بالتنسيق معهم وبين الأكراد الذين خذلوا موسكو حتى الآن مرتين: الأولى بتحالفهم مع الأميركيين بكردستان البرزاني العراقية، والثانية لانحيازهم الى الأميركيين في شمال وشرق سورية، متخلين عن تفاهماتهم مع موسكو.
وها هم مرة ثالثة، يمنحون الأميركيين ثقتهم بتصديقهم بالحدود القصوى للغزو التركي رافضين عروضاً روسية كانت تريد عقد مصالحة بينهم وبين الدولة السورية ورفضوا برفع سقف مطالبهم الى مستوى لا تقبل به دولة سيدة على أراضيها ولديها موفور من تأييد شعبها كحال الدولة السورية.
هناك إذاً، اجتياح عسكري تركي ضخم من مختلف نقاط الحدود السورية تريد الربط عين العرب – المالكية حتى الحدود العراقية عند الماركية في الشرق وتجمع بين منبج وعين عيسى والحسكة مقابل القامشلي وحتى حدود العراق.
وهذا مشروع من شأنه السيطرة على كامل الوجود السكاني المدني لقسد العسكرية السياسية، هذا ما بدأت تؤكده النتائج الأولى للمعارك على مستوى تقدم الجيش التركي داخل عين العرب وتل أبيض ورأس العين.
ما الذي تنتظره اذاً «قسد» حتى تتخلّى عن الأميركيين الذين ما عادوا حلفاءها. والدليل تلك التصريحات الساخرة منهم التي يطلقها الرئيس الأميركي ترامب يومياً، وآخرها دعوته «قسد» الى عدم مقاومة الأتراك لأنهم أقوى منها.
بالمقابل ترى «قسد» أن الأميركيين باقون عند خط «العشرة كيلومترات التركي» وحتى الحدود مع العراق جنوباً وشرقاً، ما يسمح لقسد الاستمرار بالوجود العسكري ومقاومة الاتراك من المظلة الأميركية. ولإقناع المشككين وبعض تياراتها بهذا التوجه، تقول قسد ان الأميركيين لن يتخلوا عن الحدود السورية العراقية حتى خط الهجوم التركي لأنهم مصرّون على قطع طريق إيران ـ العراق ـ سورية ـ لبنان، فإذا انسحبوا فهذا إعلان بانتصار المشروع الإيراني في المنطقة، وربما الروسي اذا جرى ربط هذا الخط بموسكو عبر بحر قزوين.
لذلك تعتمد قسد خطين: مقاومة الهجوم التركي ومواصلة التحالف مع الأميركيين. وهذا الأمر يزيد حنق روسيا ويدفعها الى القبول باصوات من احزاب كردية في شمال سورية وشرقها، تريد وساطة روسية لإعلان تأييدها للدولة السورية، وهذه أحزاب وازنة وعديدة كانت «قسد» مع الأميركيين تقمع توجّهاتها العقلانية وتحول دون تأييدها لدمشق.
ويبدو أن الفرصة باتت سانحة لتشكل موقف كردي عقلاني يؤمن «بسوريّته» أولاً وعلى قاعدة الاعتراف ببعض الخصوصيات الثقافية والإدارية للكرد. هذا إلى جانب رفضه أي تسويات مع الأميركيين الذين يعتبرونهم محتلين مثل غيرهم لسورية.
هناك أيضاً إضافة مركزية تكشف أصالة البعد السوري لهذه الاحزاب، وتتركز على «حتمية» قطع أي علاقة بـ»إسرائيل» لا في سورية ولا في كردستان العراق.
إن هذه التيارات تطالب بوقف التحالفات الكردية مع دول كبرى معادية لسورية، منذ 1894 حين باعهم السلطان العثماني مراد الخامس حتى 1923 تخلّى عنهم البريطانيون وفي 1939 حين رفسهم الفرنسيون وفي الأربعينيات حين تخلى السوفيات عن مشروعهم في دولة مهاباد الإيرانية. وكذلك فعل شاه إيران في السبعينيات حتى تركهم فريسة لصدام حسين، اما الرئيس ريغان الأميركي فتخلى عنهم في التسعينيات.
وها هو ترامب يبيعهم ليعاود جذب التركي الى نفوذ بلاده، فما العمل؟ انها الانتفاضة الكردية المتوقعة على «قسد» التي تصل الأكراد السوريين بدولتهم التي تنتظرهم في دمشق لتشكيل مقاومة تهزم العدوانية التركية، وتعاود إنتاج سورية عصية على كل الطغاة والطامعين.