حملة القوات والاشتراكي لا تستهدف باسيل… بل الحريري
ناصر قنديل
بعد الكلام الهام والمنطقي الذي قاله في اجتماع وزراء الخارجية العرب عن لا جدوى التنديد بالغزو التركي للأراضي السورية ما لم يقترن، باستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، وبالتالي استعادة العرب قدرتهم على التأثير في مجريات الأحداث السورية، وبعد الكلام النوعي الذي قاله عن عزمه الذهاب إلى سورية لفتح ملف عودة النازحين رسمياً مع الدولة السورية ومناقشة سبل استفادة لبنان من فتح المعابر الحدودية لسورية مع الأردن والعراق، لم يكن وزير الخارجية جبران باسيل مضطراً لتشبيه عودة النازحين السوريين بما أسماه إعادة الجيش السوري إلى بلاده، لينكأ جراحات مواضيع خلافية كانت عنوان الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار. ويعلم الوزير باسيل أن عنوان تظاهرة 8 آذار التي دعا إليها الأمين العام لحزب الله وتكلم مخاطباً حشودها، كان «شكراً سورية»، ولا كان الوزير باسيل مضطراً لتصوير عودة القوات السورية إلى ديارها إعادة، لتصير عودة النازحين إعادة، وما في الكلمة من مضامين عدائيّة بلا مبرر، ومدخلا لشحن تعبوي بلغة مؤذية لا تنسجم مع خطابه في الجامعة العربية ولا مع عزمه التوجّه نحو سورية بلغة الشقيق الهادف لرسم خريطة طريق واحدة لمشاكل مشتركة بين البلدين الشقيقين.
رغم الإضافة المرهقة بلا مبرّر للوزير باسيل على موقفه الأصلي ومبادرته الهامة، بقي جوهر ما قال وما فعل واضحاً بكونه سعي ينطلق من جهة من تقدير الحاجة العربية لاستعادة العلاقة بسورية التي تحقق الإنجازات والانتصارات في الميدان، ومن جهة أخرى يعبّر عن حاجة لبنانية سياسية واقتصادية وأمنية للاستفادة من سيطرة الدولة السورية على أغلب جغرافيتها، وعلى معابرها الحدودية، بصورة تفتح ملف الحلول لأزمة النازحين السوريين في لبنان، ولأزمة التصدير والترانزيت إلى سورية وعبرها، لكن هذا السعي الذي تعامل معه رئيس الحكومة سعد الحريري بتحفّظ دون رفض، خلافاً لكل مرة، كان يشهر فيها سلاح الرفض، أثار قلق فريقي الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، فبادر الفريقان لشنّ حملة شعواء على باسيل ومبادرته وموقفه، داخل الحكومة وخارجها، وهما يعلمان أن تهجّمهما على باسيل يقويه ولا يضعفه. فالتصعيد القواتي ضده يشدّ عصب التيار الوطني الحر، والتصعيد الاشتراكي يشد العصب المسيحي حوله.
تحرّك القوات والاشتراكي ليس عبثياً، فمنذ مدة بات واضحاً أن مشكلتهما التي يشكل باسيل عنوانها، هي مع الرئيس سعد الحريري المتمسك بالتسوية الرئاسية، والمستعد للتعامل مع باسيل في الاتفاق والاختلاف بطريقة غير تصادمية. ورهان القوات والاشتراكي على تثمير حملتيهما ضد باسيل في صفوف التيار الأزرق وجمهوره المستنفر ضد الوزير باسيل ومواقفه، ليظهر صمت الرئيس الحريري تعبيراً عن ضعف وتبعية يتهمانه بهما، وتنازلاً عن مكانة وصلاحيات، بهدف البقاء في كرسي الحكم. كما يُجِب القواتيون والاشتراكيون، على كل سؤال يتصل بسبب عدم تشارك الحريري في الموقف معهما، ولعبة السنوكر التي يلعبها الحزبان تشكّل لهما فرصة لتظهير الحريري أمام الحلفاء المشتركين إقليمياً ودولياً كمتهاون يفرّط بالثوابت، ويمنح حزب الله فرصة تحقيق سياساته بالوكالة عبر باسيل، كما يصفون الانفتاح على الدولة السورية، وهم ينطلقون من أن مجرد إيراد حزب الله كمستفيد من رمادية الحريري يكفي لاستثارة الرياض وواشنطن على الأقل.