ماذا يعني الاستمرار في قطع الطرقات… وما هي النتائج السلبية؟
حسن حردان
في اليوم الثاني عشر على الحراك الشعبي، الذي اندلع عفوياً في هبة احتجاجية في كلّ المناطق اللبنانية.. يبدو أنّ الحراك تحوّل من السلمية إلى قطع الطرق وتعطيل حركة الاقتصاد والمواطنين ومنعهم بشكل علني من الذهاب إلى أعمالهم.. ودعوتهم إلى التزام بيوتهم.. فيما عناصر الجيش وقوى الأمن باتوا بحاجة إلى إبراز بطاقات هوياتهم ليتأكد منهم قطاع الطرق حتى يتمّ السماح لهم بالمرور ومواصلة طريقهم.. هذا التطوّر الخطير ماذا يعني للبنانيين، والى أين يوصل الحراك العفوي المطلبي المحق.. هل يوصل إلى تحقيق المطالب الاجتماعية؟ ام الى حرف الحراك عن مساره وتأزيم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي والتسبّب بإلحاق الضرر الفادح بمعيشة المواطنين الذين نزلوا الى الشوارع والساحات للمطالبة بحماية قدرتهم الشرائية وتحسين أوضاعهم الاجتماعية وتأمين فرص العمل لحلّ مشكلة البطالة المتفشية في البلاد لا سيما وسط الشباب والخريجين.. وإيجاد حلول عاجلة لأزمات الكهرباء والنفايات والصحة والتعليم.. ومحاربة الفساد واسترداد أموال الدولة وحقوقها المنهوبة إلخ…
اولاً: انّ التركيز على قطع الطرقات، بدلاً من الساحات لمواصلة الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب الاجتماعية وتنفيذ ما وعدت به، الى جانب كونه يذكرنا بالحواجز الميليشياوية أيام الحرب الأهلية.. فإنه يضغط بالدرجة الأولى على غالبية المواطنين الذين يريدون الذهاب إلى أشغالهم ووظائفهم للحفاظ على مصدر رزقهم لتأمين معيشتهم الصعبة.. وهؤلاء المواطنون ليسوا ضدّ الحراك، وقسم أساسي منهم مستعدون للمشاركة مساء في ساحات الاعتصام.. ايّ الموازنة بين الاستمرار في عملهم نهاراً والمشاركة مساء في الحراك للضغط على الحكومة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية والخدماتية.. وإذا ما استمرّ قطع الطرقات فإنّ ذلك يؤدي يوماً بعد الآخر إلى إثارة تناقضات وخلافات بين المواطنين أنفسهم والتسبّب في ردة فعل سلبية من قسم كبير من الناس المتضرّرين من قطع الطرقات.. تنعكس سلباً على الحراك وزخم المشاركة الشعبية فيه..
ثانياً: انّ قطع الطرقات يؤدّي إلى تعطيل الحركة الاقتصادية والتسبّب بإلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الوطني تقدّر يومياً بـ 136 مليون دولار بالقياس إلى حجم الناتج الوطني السنوي المقدّر بنحو ٥٠ مليار دولار… وهذه الخسارة بلغت بعد 12 يوم تعطيل ما يناهز مليار وثلاثماية مليون دولار.. هذا يعني المزيد التداعيات السلبية على الواقع المالي والاقتصادي واستطراداً على القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما انّ ذلك سيؤدّي الى تراجع ملحوظ في قيمة الليرة قياساً لسعر صرف الدولار وما يعنيه من ارتفاع في أسعار السلع والمواد الأساسية.. في حين كشف النقاب عن محاولة من قبل مجموعة من الأشخاص دخلوا إلى لبنان في الأيام الأخيرة يحملون كمية كبيرة من العملات العربية والتركية قاموا باستبدالها بالدولارات بهدف شحنها إلى تركيا.. في عملية مشابهة لما حصل قبل فترة في إيران عندما جرى تهريب كميات كبيرة من الدولارات وسبائك الذهب إلى الخارج مما أدّى إلى انهيار كبير في سعر العملية الإيرانية…
ثالثا: انّ قطع الطرقات يترافق مع رفع شعارات ترفض ايّ حلول والحوار مع رئيس الجمهورية.. وتصرّ على استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة من دون أن يكون هناك بديل يشكل ضمانة لمنع دخول البلاد في أزمة طويلة تؤدّي إلى مزيد من التدهور في أوضاع الناس المعيشية… وهي بالتأكيد عكس ما يريده الناس من حراكهم في الشارع.. انّ إقفال الأبواب على التجاوب مع دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا تصبّ في مصلحة الحراك المطلبي… بل على العكس كان من المفروض تلقف هذه الدعوة التي توفر للحراك الفرصة لمفاوضة الرئيس على الموقف من الورقة الاقتصادية للحكومة والعمل على تعديلها بما يلبّي مطالب الحراك الأساسية والاتفاق مع الرئيس على كيفية ضمان تنفيذها.. خصوصاً أنّ الرئيس أبدى الاستعداد لكلّ تعاون في ذلك.. وعليه ما الفائدة التي يجنيها الحراك من الرفض المطلق للحوار مع الرئيس عون.. بالتوازي مع استمرار الحراك في الساحات، مع التركيز على بعض المؤسّسات التي يجب الضغط عليها مثل مصرف لبنان وقصر العدل إلى جانب القصر الحكومي ومجلس النواب.. بدلاً من الذهاب إلى قطع الطرقات…
انطلاقاً مما تقدّم يُطرح السؤال.. من هي الجهات التي تصرّ على دفع الحراك في هذا المسار السلبي الذي لا يقود سوى إلى واحد من أمرين:
الأمر الأول: تراجع تدريجي في المشاركة الشعبية في التظاهرات في الساحات، وصولاً إلى إضعاف تأثير الحراك بدلاً من أن يبقى قوة ضغط في الساحات لفرض تنفيذ المطالب المحقة بعيداً عن الشعارات غير الواقعية.. هو ما بدأت تظهر مؤشراته في اليوم الثاني عشر حيث لوحظ تراجع ملموس في حجم المشاركة في الساحات حتى من قبل الشباب..
الأمر الثاني: أو دفع الوضع إلى الفوضى في ظلّ استمرار قطع الطرقات والإصرار على التصعيد.. وهو ما تسعى إليه بعض الأطراف المحلية التي دفعت ببعض عناصرها المنظمة لتولي مهمة مواصلة قطع الطرقات وحراستها ليلاً نهاراً ونصب الخيم عليها وحتى تحويل بعض الطرقات الى مواقف للسيارات.. وتأمين كلّ المستلزمات لضمان ذلك.. ويجري ذلك في ظلّ تواطؤ بعض وسائل الإعلام التي باتت عبر مراسليها المنتشرين في كلّ المناطق، وعلى بعض مفاصل الطرقات التي قطعت بواسطة الصخور والرمال والدواليب.. تلعب دور الموجه وضابط الإيقاع للتحرك ورسم شعاراته.. وطبعاً فإنّ ذلك ليس بعيداً عن الأجندات الأميركية الخليجية التي وجدت الفرصة المواتية بالتعاون مع أعوانها من القوى السياسية وبعض هيئات المجتمع المدني، لأجل استغلال الحراك وركوب موجته بغية وضعه في مواجهة المقاومة والرئيس عون الداعم للمقاومة والرافض للإملاءات الأميركية والمطالب بالانفتاح على الدولة السورية لتأمين تسهيلات تصدير الإنتاج اللبناني الزراعي والصناعي، وعودة النازحين السوريين الى مدنهم وبلداتهم التي تحرّرت من الإرهاب وباتت آمنة…