خطيئتان للحراك لا يجيب عليهما المدافعون
ناصر قنديل
– مع المناخ الذي أطلقه الحراك الشعبي في التعبير عن الغضب المقدس بوجه الفشل والفساد معاً، وبالتعبير الموحّد عن إرادة جامعة للبنانيين تعبر الطوائف والمناطق، وقع الحراك فوراً بخطيئتين يصعب أن يتحرّر من آثامهما. الأولى، استجابته لدعوات بعض المتحمّسين أو المتطرفين أو المندسين، لاعتبار قطع الطرقات وسيلة سلمية وديمقراطية للتعبير، وتبرّع عدد من قادة الرأي الذين راهنوا على الحراك للدفاع عن قطع الطرقات، على الأقل في الأيام العشرين الأولى من عمر الحراك. والثانية، مغادرة الحراك شعاراته الاجتماعية والمالية، المرتبطة بمكافحة الفساد ومعالجة الأزمات الضاغطة، إلى دخول اللعبة السياسية وتقديم منصته كواحدة من أدوات التفاوض حول التوازنات داخل المجلس النيابي، من باب الدعوة لاستقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط.
– بقطع الطرقات منح الحراك الشرعية لمجموعة من الأطراف والقوى التي تملك مشاريعها الخاصة لاستغلاله واستثماره واستعارة اسمه وأهدافه، للنزول بشوارعها في ساحاتها، والإمساك بطرقاتها، وصولاً لتقطيع أوصال المناطق ومعاقبة اللبنانيين، والتعدّي على حرياتهم وكراماتهم، والنيل من معنويات ومهابة الجيش والقوى الأمنية، وشيئاً فشيئاً تحوّل قطع الطرقات إلى مشروع منفصل عن الحراك تقوده مافيات وعصابات من جهة، وميليشيات من جهة أخرى، وصار الحراك يتلقى العائدات السلبية لقطع الطرقات، ويقطف السارقون ما يريدونه من عائدات إيجابية لهم وفق حساباتهم، فمن يُردْ المال وجد باباً لتحصيله عبر الخوّات التي فرضها على عبور شاحنات المحروقات والمواد التموينية والخضار والفواكه والطحين، متسبباً بارتفاع الأسعار على المواطنين الذين تقطع الطرقات باسم فقرهم، ومَن يُردْ تعزيز وضعه التفاوضي السياسي وإيصال رسائل بالتصعيد والتهدئة، صارت الطرقات بريده المعتمد خارج حسابات الحراك ومشروعه الأصلي.
– بطرح استقالة الحكومة والدعوة لحكومة جديدة، قدّم الحراك المنصة مرة أخرى للعبة ليست لعبته، فتجمّد كل شيء يتصل بالمطالب، ملاحقات الفاسدين، وصارت استقالة الحكومة فرصة لها كي لا تتحمل مسؤولية أي حلول فورية، كالتسعير بالليرة اللبنانية لكل السلع والخدمات على سبيل المثال، وصار الحراك ورقة ضغط لتسريع الاستشارات النيابية ورقة ضغط بيد رئيس الحكومة المستقيلة والمعني الأول برئاسة الحكومة المقبلة بتسميته أو قيامه بتسمية بديل يرضاه، دون أن يكون مضطراً لدفع فواتير سياسية لشركائه في الحكومة السابقة، وينال ضمانات على الأقل بعدم تمثيل أي من منافسيه في طائفته وإحكام قبضته على كل تمرّد على زعامته لها، حتى عندما يرشح سواه فهو يتصرّف بقوة الإمساك بهذه الزعامة، ويضع الحراك خصوصاً في طرابلس حيث الحيويّة المشهودة لساحتها أمام اختبارات ليست من جيبه.
– صار الحراك وسط طريق زحام، لا يقدر على التراجع ولا يملك قوة الدفع للتقدّم، حتى تولد الحكومة الجديدة، وعندها لو رفض هذه الحكومة فسيمنح الرئيس الحريري فرصة العودة كمخلّص. وهذا هو المأزق الذي صنعه أصحاب قطع الطرقات وشعار استقالة الحكومة، وهو مأزق رفض التخلّي عنهما مبكراً ضمن مبادرة لتجسير المسافة بين الحراك والمقاومة.