العدوان المزدوج على غزّة والمزّة

نايف أحمد القانص

تسير الأحداث والتطوُّرات في المنطقة بعكس ما تمّ التخطيط لها من قبل الإدارة الصهيوأميركية وأدواتها التنفيذية من قوى الرجعية العربية والمشروع الإخواني الأردوغاني، فقد كانت الخطة إضعاف المحور المقاوم وتصفية القضية الفلسطينية وعقد صفقات يتمّ من خلالها تمرير ما سُمّي بـ ـصفقة القرن التي رُوِّج لها على مدى أكثر من عامين وعُقدت ورشة البحرين تمهيداً لها لكنّ هذه الخطة فشلت رغم كلّ ما مارسته الولايات المتحدة الأميركية من ضغوط لتنفيذها بدءاً من نقل سفارتها إلى القدس المحتلة ودعم المجموعات الإرهابية في سورية ومحاولة إيجاد منطقة عازلة تؤمّن الكيان الصهيوني، لتعمد بعد ذلك إلى دعم فصيل من الأكراد في شمال سورية لتتخلّى عنه بعد ذلك لصالح نظام أردوغان حليفها الداعم الأساسي للإرهاب في سورية، معلنة الانسحاب بطريقة مُخادعة للرأي العام الأميركي، في حين تموضعت في مناطق حقول النفط السورية تحت مُبرّر حمايتها، لتنفيذ خططها الممنهجة المعتادة للسطو على ثروات الأمة.

وإذا نظرنا إلى تطوّرات الأوضاع في لبنان نجد أنها تتسارع وتتطوّر بطريقة غريبة تعيد إلى الأذهان فوضى ما سُمّي زوراً منذ سنوات بـ الربيع العربي ، ففي بداية الأمر خرج المواطنون اللبنانيون بمطالب مُحقّة، وليس لأحد أن يُشكّك في ذلك، لكن بعد أيام بدأت البصمات الأميركية تظهر وهناك اليوم من يعمل على حرف المسار كما حدث في عدد من الأقطار العربية وتحقيق أجندات وأهداف لا تخدم مطالب الشارع. السفارات تدخل على الخط وتخلط الأوراق وتحاول أن تجرّ المتظاهرين إلى صراعات حزبية وطائفية وقد لاحظنا كيف تحوّلت الشعارات المطلبية والدعوات إلى إصلاح النظام السياسي إلى شعارات أخرى بعيدة تماماً عن هذا الهدف وبدأنا نسمع عدداً من المتظاهرين يدعو إلى نزع سلاح المقاومة وهذا مطلب أميركي و إسرائيلي بامتياز. كذلك الحال في العراق حيث تحوّلت التحرُّكات المطلبية إلى مظاهرات دموية ومواجهات بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية.

بالتوازي، تجري صفقة جديدة يتمّ الترتيب لها بوساطة مصرية تمّ التوافق عليها مع نظام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحركة حماس بدعم سعودي تقضي بإعادة إعمار غزة مقابل تمرير صفقة القرن ، وذلك بإجراء انتخابات وتشكيل حكومة مناصفة بين حركتي فتح وحماس وترسيم حدود مع الكيان الصهيوني، إلا أنّ كيان العدو يدرك جيداً أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى التي بقيت ثابتة على مواقفها خصوصاً من الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب ستكون عائقاً أمام تلك الصفقة وعلى رأس هذه الفصائل حركة الجهاد الإسلامي القوة الأكثر تواجداً على الساحة الفلسطينية بعد فتح وحماس.

لذلك أراد الكيان الصهيوني من خلال اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشهيد بهاء أبو العطا تحقيق هدفين هما: أولاً القضاء على قيادات «الجهاد» الذين يشكلون خطراً عليه وتحديداً قائد سرايا القدس الشهيد أبو العطا، وثانياً شقّ الصف الفلسطيني وتطمين حماس بأنها لم تعد هدفاً للكيان الصهيوني وأنّ هدفه الجديد الآن هو حركة الجهاد الإسلامي وباقي الفصائل الفلسطينية التي بقيت في محور المقاومة إلى جانب سورية ولها علاقة قوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أما محاولة اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في دمشق أكرم العجوري فهدفها معاقبة الفصائل الفلسطينية التي وقفت إلى جانب سورية في مواجهة الإرهاب وإيصال رسائل تطمينية للإرهابيين المتواجدين على الأراضي السورية. كما أننا سمعنا تحذيرات من داخل الكيان الصهيوني من خطر حركة أنصار الله في اليمن، وجاء الردّ واضحاً على لسان السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بذكرى المولد النبوي، وقد وجّه رسائل إلى الكيان الصهيوني بقوله «إنّ الشعب اليمني لن يتردّد في إعلان الجهاد ضدّ العدو الإسرائيلي وتوجيه أقسى الضربات ضدّ الأهداف الحساسة في كيان العدو إذا تورّط في أيّ حماقة ضد شعبنا»، وأنّ الجيش واللجان الشعبية سيردّان في الوقت والمكان المناسبين.

إنّ الردّ الموجع للمقاومة الفلسطينية على استهداف قياديّيها أرعب الكيان الصهيوني وأفشل مخطّطاته سواء بشقّ الصف الفلسطيني أو استغلال توترات المنطقة، ونحن نشهد على الهزائم التي مُنيت بها الأدوات التنفيذية للعدو من قوى الرجعية العربية والمجموعات الإرهابية وفضائح السياسة الأميركية ومخطّطها المكشوف للاستيلاء على نفط سورية وفشلها في محاصرة إيران. كلّ هذه العوامل تأتي بمؤشرات جديدة في السياسة الصهيوأميركية بعد فشل كلّ الصفقات التي أرادت من خلالها تصفية القضية الفلسطينية وإضعاف محور المقاومة، وفي الوقت نفسه هناك تفاؤل كبير بتغيير موازين القوى الدولية، ولن تظلّ الولايات المتحدة الداعمة للكيان الصهيوني تمارس عنجهيتها، بعد تشتُّت قواها، وإنّ الخلافات والانقلابات في أميركا اللاتينية دليل قاطع على تخبُّط سياسة واشنطن تمهيداً للسقوط النهائي.

السفير اليمني في دمشق

اترك تعليقاً

Back to top button