هكذا تم استدراج الحراك خارج ملعب الناس
ناصر قنديل
– لعبة تسمية رئيس الحكومة الجديدة صارت هي قضية الساعة. وهي قضية تستطيع القوى السياسية الملتزمة بمكافحة الفساد أن تضبط إيقاع أدائها بما يجنبها مسؤولية الشراكة في أي تسميات تسيء لالتزامها الأخلاقي بعدم التورط بتسمية فاسدين عبر الامتناع، لكن الحراك الشعبي الذي تم استدراجه إلى ملعب ليس ملعب الناس وعنوانه تبديل أسماء رؤساء الحكومات، لا يستطيع أن يتصرّف بالمرونة ذاتها التي تستطيعها المقاومة على سبيل المثال، بأن يمتنع نوابها عن المشاركة بالتسمية في حالة الاستشارات المرتقبة، فالحراك الذي ارتضى منذ الأسبوع الثاني، أن يجعل شعاره استقالة الحكومة واستبدالها بحكومة جديدة، معني بموقف حاسم وواضح وعملي.
– الملعب الجديد حرب استنزاف للحراك، قد ينجح في إسقاط اسم مرشح، لكنه من حيث لا يدري سيكون لاعباً في ملعب تعزيز تسمية مرشح خفي آخر يريد حرق المرشحين تمهيداً لتسميته بعد استنزاف الحراك واستنزاف الأسماء، واستنزاف الوقت وقدرات الناس على التحمّل، وإن تغاضَ الحراك وقال ما يهم الناس هو برنامج الحكومة وليس أسماء رئيسها ووزرائها، فسيكون عليه إيضاح سبب توريطه للناس في استقالة الحكومة السابقة ومنح رئيسها فرصة تبييض سجله تمهيداً لوقوفه في غرفة الانتظار، ريثما ينتهي من حرق الأسماء المرشحة ويعود على حصان أبيض.
– بمثل اللعبة الحكومية كانت لعبة قطع الطرقات التي استُدرج الحراك إليها، وفي اللعبتين رفض أهل الحراك، قادته الواقفون في الظلام، والمدافعون الوطنيون عن صوابية خياراته والمطالبون لمنتقديه بتغيير مواقفهم والانضمام إلى خياراته، بدلاً من رفض الدفاع عن الخيارات الخاطئة، أو على الأقل ممارسة النقد الذاتي اللاحق بعدما تكشّفت الوقائع عن خطأ الرهانات والخيارات، وبعدما تحوّلت عملية قطع الطرقات مصدرَ تصادم مع الناس والجيش معاً، ومنصة تستثمرها الجماعات الميليشياوية ومافيات وعصابات فرض الخوات، وساحة لفرضيات الفوضى الأمنية وما تحتمله من استثمار استخباريّ، ودخول جماعات إرهابية على الخط تناقلت صور رموزها وسائل التواصل الاجتماعي في مواقع متعددة.
– المشكلة أن تورط الحراك اليوم يورّط البلد، ويرسم مساراً يتبادل فيه الحراك وخصمه التقليدي، أي الفساد، النقلات المتبادلة في استهلاك مفتوح للوقت، في تسمية رئيس حكومة وإسقاطه، أو قبوله، أو ربط النزاع معه، من دون جواب على سؤال، من أين هبط شعار استقالة الحكومة على الحراك، كما هبط شعار قطع الطرقات عليه، من دون أن يرف جفن لنخب لديها من الثقافة والتجارب ما يكفي لتضرب يدها على الطاولة تحذيراً أو تسجيلاً لتحفّظ ودعوة لتراجع، بل ذهب البعض حد التنظير لقطع الطرقات كوسيلة تعبير سلمية ديمقراطية، من دون أن يرف له جفن مرة أخرى، وهو يعلم أن قطع الطرقات جريمة يعاقب عليها القانون ولا مكان لها في قاموس التعبير السلمي والديمقراطي.
– العودة للبرنامج الاقتصادي خطوة مطلوبة من الحراك العودة إليها، مثل الضغط لدعم استمرارية وتوسيع قرارين هامين صدرا في الأيام الأخيرة، ويحتاجان لضغط شعبي لضمان التطبيق والتوسع والاستمرارية، القرار القضائي بالتسعير بالليرة اللبنانية لفواتير الخلوي وخدماته، وقرار وزيرة الطاقة استيراد المشتقات النفطية مباشرة. وفي الشأن الحكومي وضع معيار لا يتجاهل من اشتراط صدقية الأسماء في ملفات الفساد، لكنه يخرج من كذبة التكنوقراط، لكنه يضع في الأولوية المطالبة ببرنامج حكومي يتضمن ما يهمّ الناس، من سداد الأقساط المتوجبة عليهم للمصارف بالليرة اللبنانية، وتأمين القروض السكنية، وفرض التسعير بالليرة اللبنانية لكل السلع والخدمات، واستيراد المشتقات النفطية مباشرة، وسواها الكثير الكثير مما ينتظره الناس، مع شرط واجب لزوماً، هو صرف النظر نهائياً عن لعبة قطع الطرقات كلياً، وإلا سيكون الحراك النابع من وجع الناس ملعباً يستثمره الآخرون على حساب الناس.