تركيا والتدخّل في سورية من البوابة الكردية
عامر نعيم الياس
صوّت البرلمان، بغالبية 298 صوتاً مقابل رفض 98، على مذكّرة قدّمتها الحكومة الإسلامية تقضي بتفويض القوات المسلحة التركية إرسال جنود إلى خارج البلاد، للقيام بعمليات عسكرية وراء الحدود، «إذا اقتضت الضرورة ذلك» وقصف «القواعد الخلفية للعناصر الإرهابية»، فضلاً عن السماح للجنود الأجانب باستخدام القواعد العسكرية الموجودة على الأراضي التركية. التصويت جاء بالتزامن مع سيطرة «داعش» على المدخل الجنوبي لمدينة عين العرب، واستمرار الاشتباكات العنيفة لحماية المدينة. ما دفع بزعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان إلى الخروج عن صمته حين أعلن، قبيل قرار البرلمان التركي، أنّ أيّ مجزرة تقع في «كوباني» ضدّ الأكراد على يد «داعش»، تعني «انتهاء محادثات السلام» بين الحزب والسلطات التركية.
وأضاف أوجلان، في بيانٍ أصدره وفد من قيادات «الكردستاني» بعد زيارته في سجنه في جزيرة إيمرالي، «إنه إذا نجحت محاولات تنظيم داعش في الاستيلاء على المدينة وارتكاب مجزرة فيها فإن ذلك يعني انتهاء محادثات السلام مع تركيا». ودعا الزعيم الكردي كل الأطراف التركية «التي تساند عملية السلام بين أنقرة والأكراد ولا تريد انهيارها»، إلى تحمل مسؤولياتها في كوباني. فهل يحمل بيان أوجلان في طياته مبرراً إضافياً لتدخل أردوغان في سورية على غرار ما حصل مع إدارة أوباما التي تدخلت في العراق من البوابة الكردية؟
في مقال سابق، طرحنا علامة استفهام حول تحوّل حزب العمال الكردستاني إلى قوة رئيسة في الحرب على «الإرهاب» في المنطقة، وذلك في مناورة سياسية تهدف إلى إعادة تعويم الحزب دولياً بصفته مستهدفاً من قبل التطرّف «الداعشي»، وراغباً في المساهمة في الجهد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وعلى رغم المعارضة الأميركية المستمرة للتعاون مع الحزب باعتباره «منظمة إرهابية»، إلا أن التصريحات الأخيرة لأوجلان وإن كانت في ظاهرها تصب في خانة تحذير الحكومة التركية باستمرار دعمها غير المباشر لـ«داعش»، إلا أنها من جهة أخرى تساهم في دفع الحكومة التركية إلى التدخل في سورية بحجة حماية الشعب الكردي وتساهم بطريقة أو بأخرى في تصوير أردوغان وحكومة أوغلو بصفتهما حماةً للأكراد. وهو ما يشرّع المنطقة العازلة الإنسانية أقله على المدى المنظور.
وفي هذا الإطار يمكن لحظ ما يلي:
ـ دخول قضية عين العرب مباشرة على خط العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وحكومة أنقرة. لا بل يمكن القول إنها أصبحت القضية الرئيسة الناظمة للعلاقة، أو ما أسمته صحيفة «لوموند» الفرنسية «الرهان الاستراتيجي بين حزب العمال وحكومة العدالة والتنمية»، رهان في هذا التوقيت يساعد على التقارب أكثر منه على التنافر.
ـ يطرح حزب العمال نفسه مرةً أخرى بوصفة قوةً محورية في مكافحة «الجهاديين». وفي هذا السياق يندرج طرح أوجلان وقف المفاوضات مع حكومة أنقرة إذا لم تتدخل تركيا عسكرياً في سورية.
ـ إن سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة عين العرب ستسمح للتنظيم المتطرف بالتحكم بشريط حدودي طويل ومستمر في شمال سورية وعلى امتداد الحدود مع تركيا, وهو أمر يبدو حتى اللحظة خطاً أحمر في تكتيك المحور الغربي المنخرط في الحرب على سورية عموماً، ومع تركيا خصوصاً التي تجد نفسها مضطرة للدخول في الحرب الجديدة لأوباما على قاعدة رسم حدود سيطرة «داعش»، وإن اختلفت أهدافها عن أهداف أوباما في سورية. فبينما تدعو أنقرة إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بأيّ وسيلة، تطالب واشنطن بحلّ سياسيّ يراعي مصالحها في سورية.
تزامناً مع ما سبق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن زيارة للمبعوث الخاص للرئيس الأميركي في «التحالف الدولي»، الجنرال جون آلن، ومساعده الدبلوماسي بريت ماكغورك، إلى تركيا ضمن جولة في المنطقة «في إطار الجهود لمكافحة داعش». وهو ما يصب في خانة محاولة رسم حدود التدخل التركي في سورية والتنسيق بخصوص القرار الأخير الذي اتخذه البرلمان التركي والذي تصبّ تصريحات أوجلان في سياق الدفع لتطبيقه عملياً على الأرض.
كاتب سوري