عن الخلافات التركية- الأميركية
حميدي العبدالله
تتحدث وسائل إعلام غربية وعربية عن خلافات بين تركيا والولايات المتحدة، ووصل الأمر إلى حدّ أنّ صحيفة «واشنطن بوست» تحدّثت عن فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ «داعش». بسبب هذه الخلافات ومن خلال ما يُكتب ويُنشر ويُبث في وسائل الإعلام الغربية والعربية يتراءى لكثيرين وكأنّ تركيا تحوّلت إلى دولة ممانعة متمرّدة على سياسة الإملاءات الأميركية، فهل واقع الأمر هكذا؟ وهل ثمة خلافات بين الولايات المتحدة وتركيا؟ وهل وصلت الخلافات إلى حدّ تمرّد تركيا وخروجها عن الفلك الذي كانت تدور به منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن؟
أولاً، لا بدّ من التأكيد على أنّ هامش الخلافات الموجود الآن بين الولايات المتحدة وتركيا، يشبه هامش الخلافات الذي ميّز العلاقات السعودية ـ الأميركية بعد تراجع الإدارة الأميركية عن توجيه ضربة عسكرية إلى القوات السورية في خريف العام الماضي. وهذا الهامش أتاحه الصراع داخل النخبة الأميركية الحاكمة بين تيارين، التيار الأول يخشى تورّط الولايات المتحدة في مزيد من المغامرات العسكرية الفاشلة، والتيار الثاني يدعو إلى هذا التورّط بمعزل عن التبعات المترتبة عليه، وبفعل هذا الصراع تولّد الهامش الذي أتاح للسعودية الظهور بمظهر «المتمرّد» على السياسة الأميركية في خريف العام الماضي، ويسمح اليوم لتركيا حزب العدالة والتنمية، الظهور بالمظهر ذاته.
ثانياً، لا تملك تركيا أية مقومات تؤهّلها للتمرّد على الإملاءات الأميركية، فهي ليست شريكاً تجارياً وسياسياً للولايات المتحدة والغرب أكثر أهمية من روسيا، ولكن عندما تعارضت السياسات الروسية مع السياسات الأميركية لم تتردّد واشنطن عن فرض العقوبات ضدّ روسيا غير مكترثة لنتائجها وتداعياتها السلبية، وتركيا لديها ثغرات كثيرة اقتصادياً وسياسياً تؤهّل الولايات المتحدة لإركاعها وإرغامها على الامتثال لأوامرها، وتركيا أقلّ منعة بكثير من روسيا في مواجهة أي ضغوط يمكن أن تمارسها الإدارة الأميركية وحلفاؤها الغربيون وفي المنطقة. وبالتالي فإنّ تفسير «تمرّد» أنقرة وعدم انضباطها في المخطط الأميركي والذي يزعم البعض بأنه يهدّد التحالف ضدّ «داعش»، هو ثمرة عاملين، الأول، صراعات الإدارة والنخبة الحاكمة حول الخيارات الذي تمّت الإشارة إليها أعلاه، الثاني، قناعة الإدارة الأميركية أنّ تركيا لم تهدّد مصالح الولايات المتحدة، ولا تشكل خطراً على هذه المصالح، وليست في وضع يؤهّلها لاعتماد سياسات مستقلة تتعارض مع السياسة الأميركية، كما هو حال روسيا على سبيل المثال، ولذلك لم تقم واشنطن بأي إجراءات من شأنها الضغط الفعلي على أنقرة للانضباط في الاستراتيجية الأميركية، وإذا كان ما هو قائم الآن بين أنقرة وواشنطن لا ينطبق عليه وصف سياسة توزيع الأدوار، إلا أنه أيضاً لا يمكن وصفه بالخلاف الجدي، بل هو اجتهادات داخل المعسكر الواحد، لا أكثر ولا أقلّ.