خيارنا مقاومة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية ثم غزو التحالف الدولي للعراق قيل للعرب لم يعد أمامكم بديل سوى الاستسلام والرضوخ لشروط الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت زعيمة العالم بلا منازع أو منافس لها.
انعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وتهاوت معه كل المبادئ والشعارات واللاءات العربية. باتت كل المحرمات مع العدو «الإسرائيلي» مباحات وذهبت الوفود العربية إلى مدريد بدافع أن لا بديل بعد اليوم إلا الاعتراف بـــــــ «الكيان الإسرائيلي» وإجراء تسوية لإنهاء الصراع الذي عُرف تاريخياً بالصراع العربي – «الإسرائيلي».
وبينما النظام العربي في حال الانهزام والسقوط، والإحباط يخيم على معظم الشعوب العربية والإسلامية، رفعت المقاومة الإسلامية من مستوى التحدي وقالت: نعم يوجد بديل آخر غير التسوية المذلة. البديل صعب ولا شك ولكنه في نهاية المطاف يستعيد فلسطين بلا قيد أو شرط.
الهزيمة ليست قدراً ومن استسلم هو النظام العربي وليست الشعوب العربية ومَنْ غيّر شعاراته هي الأنظمة المرتبطة بالاستعمار، أما الجماهير فبقيت على موقفها الثابت والمبدئي من أن الكيان الصهيوني كيان مصطنع لا يمكن أن يصبح ضمن نسيج المنطقة بأي شكل من الأشكال.
جاءت الأعوام من بداية التسعينات حتى الألفين ثقيلة لكن المقاومة التي استمدت العون من الله أولاً ومن مساندة الجمهورية الإسلامية وسورية ثانياً، رفعت معدل عملياتها العسكرية واستطاعت أن تحقق الانتصار تلو الانتصار حتى أرغمت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» الانسحاب عام 2000. وبانت الصورة أوضح عند الشعوب العربية التي كان يُعمل لإحباطها وتيئيسها وتغيرت صورة المشهد السياسي والاستراتيجي فانقلب الانتصار خيبة على كل من خطط لإخضاع المنطقة وإنهاء الصراع مع العدو «الإسرائيلي» لمصلحة قوى الشر والظلام.
ثم جاءت حرب تموز 2006 بمشهد لا مثيل له في تاريخ الصراع مع العدو فقد استطاعت المقاومة أن تنقل المعركة إلى قلب الكيان وتدفع بملايين المستوطنين إلى الملاجئ، والأهم أنها بعثت رسالة لكل الحكام بأن فئة قليلة تتمتع بالإيمان والالتزام والمناقبية الأخلاقية والوطنية بمقدورها أن تهزم أكبر عدو عدة وعديداً.
دُهش العالم حقاً ولم يصدّق أحد أن هذه الفئة وهي في معرض الحصار والتهديد والتحولات الإقليمية والدولية في ميزان القوى لمصلحة حلفاء الكيان «الإسرائيلي» تستطيع أن تحقق إنجازاً بهذا الحجم الاستراتيجي.
انتصار عام 2006 كشف كم العرب سُذّج حين ركبوا قطار التسوية.
وكشف أن التعب واليأس والخذلان من شأن الأنظمة والحكام.
أما الشعوب فخيارها المقاومة وبديلها الصمود والمواجهة وقدرها النصر حتماً.