خان أسعد باشا تحفة معماريّة وزخرفيّة أعجب بها لامارتين
دمشق- كوثر دحدل
نماذج من الحضارات التي مرّت على سورية تظهر بين جنبات وردهات خان أسعد باشا الذي بني بين عامي 1751 و 1753 لغاية اقتصادية وتجارية، فدمشق في ذاك العصر كانت محطة مهمة من محطات طريق الحرير.
تقول مديرة الخان، غادة سليمان: «أمر ببناء الخان والي الشام للعثمانيين في تلك الآونة، المنحدر من أصول عربية، أسعد باشا العظم، لخدمة التجار ودعم الناحية الاقتصادية. وأمر باستخدام معظم الحجارة الموجودة في دمشق للتفنن في بنائه كي يكون أكبر محطة استراحة استراتيجية على طريق الحرير وطريق قوافل الحج الشامي وسوقاً كبيرة ليتبادل التجار القادمون إلى الشام بضائعهم الثمينة فيه، وليصبح من أجمل وأعظم خانات الشرق قاطبة التي بنيت خلال الاحتلال العثماني»، موضحة أنها توصلت من خلال بحثها في تاريخ الخان إلى أنمهندسي البناء والمعماريين عن من سكان حلب المسيحيين الذين كان لهم باع طويل في بناء الكثير من الصروح الحضارية في سورية وتحديداً خلال احتلال العثمانيين، لكن من دون أن يذكر هؤلاء دورهم وفضلهم بل ينسبونه فحسب إلى مَنْ أمر ببنائه.
ولفتت إلى أنه كانت لهذا الخان شهرة عظيمة وما زالت شهرته ذائعة في معظم أرجاء العالم، وكان الرحالة ومعظم زوار دمشق يعرّجون على الخان لمشاهدة هذه التحفة الفنية المعمارية الفذة، وكان الجميع يبدي إعجابه بالفن المعماري المتمثل في هيكلة الخان. ومن أشهر هؤلاء الرحالة الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين الذي زار دمشق عام 1833 وذكر في «كتابه رحلة إلى الشرق» أن الخان من أجمل خانات الشرق وأن قبابه تذكره بعظمة وضخامة قبة القديس بولس في روما، مبدياً إعجابه بباب الخان الكبير الذي وصف بالقطعة النفيسة من طراز العمارة الإسلامية التي لا نظير لها في العالم.
توضح سليمان أن كلمة خان تعني بالفارسية المبيت والإقامة الموقتة، إذ كانت القوافل التجارية تنزل البضائع في باحته حيث تتم المبادلات التجارية بين التجار، ثم تخزّن هذه البضائع في غرف في الطبقة الأرضية وعددها 40 غرفة مصممة على شكل أجنحة مستقلة يتألف كل منها من غرفة أمامية كانت تستخدم ماضياً كمكتب، وثمة في الداخل غرفة أكبر أو غرفتان للبضائع، لكلّ غرفة نافذة مستطيلة تطل على الرواق ونافذة في جدار السور تمدها بالنور والهواء، أما الطبقة الثانية فمؤلفة من 44 غرفة خصصت لمنامة التجار.
تعرّض الخان عام 1759 لحريق في أعقاب الزلزال الذي ضرب دمشق فتهدمت ثلاث من قببه التسع، بحسب رواية الشيخ أحمد البديري الحلاق، أو خمس قباب حسب رواية أخرى لنعمان أفندي قساطلي، وبعد ذلك هجر الخان.
تقدر مساحة الخان الاجمالية بنحو 2500 متر مربع وتحتل واجهته الغربية المطلة على سوق البزورية بطول 47 متراً وتحتضن هذه الواجهة بوابة الخان الكبيرة الحجم ومسجداً صغيراً ودكاكين ومخازن تجارية، بينما تحتل واجهته الجنوبية المطلة على خان الرز سوق الصقالين بطول 52 متراً وتتوزع فيها المحال التجارية. أما الواجهة الشرقية فهي سور أصم يطل على زقاق الحي المجاور، وواجهته الشمالية يزيد طولها على 25 متراً لكنها محجوبة بالمباني كحمام نور الدين والمدرسة الكاملية التنكزية. وعن داخل البناء تقول سليمان: يحيط بالبناء باحة مسقوفة بالقباب ومفتوحة بقبة فوق البحرة والبوابة بتصميم لافت للأنظار عبر عناصرها المعمارية والزخرفية، فهي نموذج حي من نماذج العمارة الارستقراطية في دمشق.
تتألف الباحة من إيوان واسع يتقدم الباب يحتوي في جانبيه على مقعدين من الحجر واعمدة كورنثية وأعمدة أيونية وأخرى توشكانية متوجة بتيجان كورنثية وأيونية أيضاً من العصر اليوناني السوري معقود أعلاها بالمدكك العادي بحشوات ذات أشكال هندسية متنوعة والمدكك ذي الرسوم الهندسية الدقيقة جداً، فضلاً عن المقرنصات من العصر الأيوبي والمملوكي والدلايات الحجرية، وفي أعلاها شكل صدفة لنصف قبة. ويروى أن ياقوتة ثمينة كانت موضوعة فوق الباب وأن ثمن الياقوتة كان يكفي لإعادة بناء الخان لو تهدم، لكنها اختفت بعد الزلزال.
بالنسبة إلى المدخل الرئيسي للخان ثمة عقد مكوّن من ثلاثة أقواس متراكبة، القوس الخارجي الكبير مكوّن من سلسلة من المشربيات، والقوس الأوسط مكوّن من حجارة مقولبة على شكل كعوب الكتب، أما القوس الثالث الداخلي فيتألف من حجارة مقصقصة يتناوب فيها اللونان الأبيض والأسود والعقد محمول على أعمدة صغيرة في كل من جانبيه ومنحوتة ذات أشكال حلزونية وضفائر وتمثل هذه الواجهة أجمل واجهات المباني الأثرية وأضخمها في دمشق إبداعاً وأغناها بالزخارف والتزيينات ويصل طولها إلى ما يزيد على 11 متراً وبعرض يبلغ 9 أمتار، بينما باب الخان مفتوح ضمن قنطرة تعلوها واجهة مؤلفة من خطوط هندسية ونقوش وكتابات تدل على تاريخ البناء ومن أمر ببنائه، بالإضافة إلى عبارات أخرى وقصيدة شعرية.
توضح مديرة الخان أن الباحث التاريخي في الدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق عماد الأرمشي أورد هذه المعلومات في مراجعه.
بقي هذا الخان العظيم يؤدي وظيفته كخان رسمي إلى مطلع القرن العشرين عندما انتشرت الفنادق في محيط ساحة المرجة وما جاورها من المشيدات، إلى أن انتقلت لكيته إلى تجار سوق البزورية وشرعوا في استخدامه مستودعاً لبضائعهم حتى ثمانينات القرن العشرين، فأخلي الخان من المستودعات العشوائية وتحوّل إلى المديرية العامة للمتاحف والآثار في دمشق فعملت على صيانته وترميمه ثم استملاكه.