مختصر مفيد خطاب الأسد: سقوط العثمانية والطائفيات السياسية من حلب
منذ بداية الأزمة في سورية، وتحوّلها إلى حرب فيها وعليها، كانت تركيا القوة الوحيدة التي تمنح التدخّل الخارجي فرصة لمراكمة فائض قوّة قابل للصرف في الداخل السوري. فهي التي يحكمها تنظيم «الأخوان المسلمين» صاحب الامتداد الأوسع تنظيماً بين تشكيلات «المعارضة السورية»، والمتداخلة سكانياً وجغرافياً في شمال سورية، وصاحبة همّ ومصلحة يتّصلان برؤية العثمانية الجديدة التي سيطرت على عقول حكامها. وهاجسهم الأمني تجاه الجيرة الكردية في سورية وامتدادها السياسي والديمغرافي في تركيا. وفوق ذلك كله، تركيا دولة إقليمية عظمى وعضو في حلف الأطلسي.
لم يكن لمواقف أطراف الأطلسي ولا لحكومات الخليج ولا لتنظيم «القاعدة» ومستجلبيه، أن يصيروا عاملاً ميدانياً في المواجهات الدائرة حول سورية وفيها، لولا البوابة التركية. وبإغلاق هذه البوابة يعود الجميع إلى كونهم جهات خارجية تستطيع التأثير في المعادلات الإقليمية والدولية المحيطة بما يجري في سورية، لكنها عاجزة عن التحوّل إلى رقم فاعل في يوميات الأحداث السورية، طالما صار ثابتاً أن لا قدرة لأحد على التورّط في حرب نظامية، تقودها دولة أو مجموعة دول ضدّ سورية، وأن ليس بمستطاع أحد الحصول على تغطية أممية لتبرير حرب أو شبه حرب تستهدف سورية لفرض معادلات خارجية عليها.
تدرّج التدخل التركي في البوابات السورية وتبدّل، لكنه بقي عاجزاً عن اجتياز عتبة الحدود والتورّط في حرب. ومرت حادثتان كادتا تذهبان به إلى الحرب، وتراجع في اللحظة الأخيرة، مرّة يوم أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة تركية، ومرّة يوم أسقطت مقاتلة تركية طائرة روسية. وفي المرتين كانت حكومة أنقرة تسعى إلى توظيف التوتر لاستحضار تورّط أطلسي. لكن التراجع كان بسبب غياب الرغبة الأطلسية في التورط، الناتج عن حساب للموازين يعرف أنّ النهايات لن تكون سعيدة. وفي السياقات كلّها، بقيت حكومات رجب أدروغان تضع هدف إنشاء منطقة عازلة تشكّل موطأ قدم لها في الأراضي السورية عنواناً لمداخلتها، وتكتفي بانتظار ذلك بتشكيل منصة لتوريد المسلحين والسلاح والعتاد وتشكيل ظهير ناري، لإبقاء الشمال السوري أو ما تيسّر منه مناطق نفوذ تركية.
وقعت حكومة أنقرة في مصيدة ثلاثية تمثلت أولاً بالحاجة الأميركية إلى إنجاز ضدّ تنظيم «داعش»، واكتشافها أن الفصيل السوري الوحيد الصالح كغطاء لتدخلها، يتمثل بالتشكيلات الكردية المناوئة لتركيا. وثانياً بالحضور الروسي المباشر وعنايته الخاصة بجبهة الشمال السوري كأقرب امتداد لمفهوم الأمن القومي الروسي، وتصادمه مع الرغبات والمصالح والأطماع التركية. وصولاً إلى مكاسرة جعلت الأمور بحدّية تفترض أن يخرج الأتراك أو الروس من سورية. والثالث أن الحصان الوحيد الذي بقي للأتراك أن يسرجوه ويمتطوا صهوته يتمثل بـ«جبهة النصرة»، وقد حُسم الأمر باعتبارها تنظيماً إرهابياً لا مكان له في العملية السياسية ولا تشمله أحكام هدنة. وصار على تركيا أن تخوض حرب انتحار أو تنكفئ وتعترف بالهزيمة.
كلام الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب، تضمّن الكثير من مقولات ومواقف تتّصل بمستقبل الحرب على سورية وفيها. لكنه حدّد هدفاً مباشراً للسياسة السورية وللجيش السوري وللحلفاء، وهي في الجغرافيا والتاريخ، الآن حلب ستكون مقبرة لآمال السفّاح أردوغان وأحلامه، وهذه المعادلة تشكّل إصابة استراتيجية دقيقة في تشخيص الأهداف ورسم السياسات وتحديد الغايات، وسترسم مستقبل الشرق الأوسط، على قاعدة لا مكان لشعوذة العثمانية الجديدة فيه. والمعادلة أن سقوط أشكال الحكم الطائفي القائمة والمرسومة لكيانات المنطقة ودولها لحساب مفهوم الدولة المدنية، يبدأ بإسقاط حكم الأخوان في تركيا، وطلقة الحسم في حلب…
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.