عندما يجتمع وزراء الدفاع؟
ناصر قنديل
– مع انعقاد اجتماع وزراء دفاع روسيا وسورية وإيران في طهران سادت تحليلات في وسائل الإعلام الغربية والعربية ترجّح أنّ وظيفة الاجتماع تتوزّع بين فرضيتين، الأولى أنّ الاجتماع لمناقشة خلافات احتدمت خلال الشهرين الأخيرين منذ الإعلان عن الهدنة في سورية، ومحورها احتجاج إيراني على التصرفات الروسية في التفرّد بالتفاوض مع الأميركيين وفرض النتائج بلا تشاور مع الحلفاء، وفي قلب هذا الاحتجاج السعي الإيراني للضغط على الروس للخروج من معادلة وقف القتال والعودة إلى ساحة الحرب، وفرضية ثانية تقوم على أنّ روسيا تريد إفهام سورية وإيران أنّ حجم الالتزام الروسي يقف عند حدود منع إسقاط الحكم في سورية، لكنه لا يطال دعم خيار الحسم العسكري الذي تحدّث عنه الرئيس السوري، وأنّ موسكو ملتزمة بالحلّ السياسي وبالأكراد وصيغة فدرالية تخصّهم، وصيغة دستور جديد لسورية، وربما أيضاً بأمن «إسرائيل» وحدود حركتها الحرة في الأجواء السورية، خصوصاً لجهة إفهام إيران وحزب الله ضمناً أنّ تحويل وجودهما في سورية إلى مصدر خطر على الأمن «الإسرائيلي» خط أحمر.
– ما ورد في التحليلات لا يأتي كله من الخيال والرغبات التي يتمنّى مَن يقفون وراء التحليلات أن تتحوّل إلى حقائق، فثمة أساس لهذه الفرضيات سمح بانتشارها وتسللها إلى بعض الشرائح النخبوية والشعبية لقوى محور المقاومة، لذلك وجب الفصل بين ثلاثة أشياء، الأول الانطلاق من أنّ أطراف الحلف الروسي السوري الإيراني لم يتحدّثوا يوماً عن تطابق في المصالح ولا في الروزنامة التي تحكم رؤية كلّ منهم لما يجب أن تسير عليه الأمور في الحرب في سورية، لكنهم ملتزمون بمعالجة التباينات في المصالح والرؤى تحت سقف الحاجة المتبادلة للتماسك والتعاون، والمصلحة بتمتين الوضع في سورية ورفع منسوب القوة فيه، وملتزمون باعتماد الحوار والمكاشفة للتوصل إلى تسويات لقضايا الخلاف أو إلى تجميد مفاعيلها، أو صياغة آلية تعايش معها، والثاني هو أنّ الحلفاء الثلاثة في إدارة الخلافات والتباينات وتبادل الشكاوى هل يفعلون ذلك على مستوى وزراء الدفاع في اجتماع علني، وهل في هيكلية الحكم في الدول الثلاث يمكن لاجتماع كهذا أن يحمل حلولاً للخلافات، أو يقدّم أجوبة على الأسئلة التي يحتاجها حليف من حليف، وهل ما يُفترض أنها تباينات هي مسائل تقنية تتصل بعمل القوات المسلحة للدول الثلاث، أم أنّ وجود ملاحظات تقنية ينجم أصلاً عما وصفته التحليلات بتباين مصالح لا يملك الجواب والقرار فيها إلا أصحاب القرار، والأمر الثالث وهو ماذا يمكن أن يفعل وزراء الدفاع عندما يجتمعون ومتى يمكن للاجتماع أن يكون ثلاثياً لا ثنائياً بالتناوب، ومتى يكون علنياً، ولماذا؟
– يعلم أصحاب التحليلات ومروّجوها أنّ حجم التباينات لا يطال أبداً القناعة الراسخة لدى أطراف الحلف الثلاثي بأنّ واشنطن القوية مشكلتهم جميعاً، واستطراداً «إسرائيل» القوية وتركيا القوية والسعودية القوية، وأنّ نجاحهم حتى الآن في إضعاف هذا المربع والضرب على رأس التشكيلات المتفرّعة من تنظيم القاعدة التي تشكل الجيش المشترك للرباعي المقابل، هو ما وفر لكلّ منهم فرص الشعور بالقدر من الراحة الذي يتصرف بوحيه الآن، وأنّ الحفاظ على هذه المعادلة مصلحة مشتركة، تشتغل على طريقة الأنابيب المتصلة، بين أطراف كلّ من الحلفين المتقابلين وداخل كلّ منهما، فكلّ قوة للحلف الثلاثي ضعف للحلف الرباعي والعكس صحيح، وكلّ قوة لفريق من الحلفين قوة للحلف كله، وفي قلب هذه المعادلة لا وقوع في فِخاح التسويات الجانبية والصفقات، ولا تقديم للتفاهمات التكتيكية مع الخصوم الاستراتيجيين على الحلفاء الاستراتيجيين، لأنّ ضعف الحلف قوة لخصومه واستقواء لاحق على أطرافه، وتراجع عن مكاسب أيّ تفاهمات تكتيكية ينالها أيّ منهم.
– مارس الحلفاء التقييم والتشاور حول إدارة كلّ ملفات التشابك في الحرب على سورية، من يوم عاصفة السوخوي ونتائجها التي غيّرت مجرى الحرب، وكيف كان يمكن أن تكون أفضل برأي بعضهم، بدون الهدنة أو معها، لكن يعلم أصحاب التحليلات أنّ هذا النوع من التقييم والتشاور جرى على مستوى زيارات قام بها مستشار قائد ومرشد الجمهورية في إيران السيد علي الخامنئي، الدكتور علي ولايتي إلى دمشق ومثلها قام بها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني برسالة من السيد الخامنئي إلى موسكو ودمشق، وحيث كانت تقنيات للبحث شارك وزراء الدفاع ورؤساء الأركان، وحيث كانت الدبلوماسية شارك وزراء الخارجية ونوابهم، والنهاية كانت بلقاءات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، ومثلها زيارات لم يعلن عنها لموفدين رئاسيين روس إلى طهران ودمشق وموفدين رئاسيين سوريين إلى طهران وموسكو، وبحصيلة كلّ هذا التشاور الذي لا ينكر التباينات، تمّ رسم الرؤية المشتركة للمرحلة المقبلة التي عبّر عنها الإيرانيون بقولهم، حلب خط أحمر، وقال الروس لن نسمح لتركيا بإسقاط حلب، وقال الرئيس السوري في حلب مقبرة آمال السفاح أردوغان.
– يجتمع وزراء الدفاع بعد أن تتبلور الرؤية ويتمّ اتخاذ القرار، إما بتفاهم على وقف شامل لإطلاق النار يضعون ترتيباته، أو بتوقع حرب خارجية كبرى يضعون خطط مواجهتها ويتوزّعون أعباءها. وفي الحالتين يكون الاجتماع علنياً للقول بجدية القرار، أو بعد اتخاذ قرار بهجوم نوعي شامل كمثل تطهير حلب وريفها، فيلتقي الوزراء ومعاونوهم ويتقاسمون الأعباء ويحدّدون المسؤوليات وأحجام وأنواع المشاركة لكلّ منهم. ويكون الاجتماع علنياً ليقول للخارج، ها نحن معاً وقادمون، ضعوا ذلك في حسابكم جيداً، متفقون وسنأتي معاً، فلا تخطئوا الحسابات.