هل يلتفّ حبل المشنقة على رقبة نظام آل سعود؟

رضا حرب

في اجتماع ضمّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري وولي عهد السعودية إضافة الى وزير خارجية خليجي يُعتقد انه الإماراتي عبدالله بن زايد، طلب كيري من السعودية إغراق الأسواق العالمية بالنفط، وقدّم التعهّد المطلوب «أغرقوا الاسواق العالمية بالنفط وسنحميكم لو قرّر الروس مهاجمتكم». تفاجأ كيري بالحماسة السعودية لسياسية «الإغراق». السياسة الكيدية والحقد السعودي تجاه الجمهورية الإسلامية والأكثرية العراقية كانا الدافع الأساسي لتلك الحماسة، لدرجة انّ وزير النفط السعودي أصرّ على سياسة التهوّر والعشوائية حتى لو وصل سعر البرميل الى 20 دولارا.

الحقد على محور المقاومة لم يعطهم مجالاً للتفكير المنطقي بعواقب القرار على اقتصادهم واقتصاد دول الخليج، او حتى محاولة لفهم الأهداف الأميركية. السعودي أراد تدمير الاقتصاد الإيراني حتى يعجز عن دعم محور المقاومة، من بغداد الى الضاحية الجنوبية مروراً بدمشق، والأميركي أراد الضغط على روسيا وتأديب السعودية على غطرستها.

وعندما قرّر ولي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان الذهاب الى الحرب في اليمن، كانت الإدارة الأميركية ملمة بقدرات وأهلية الجيش السعودي، فنصح جون كيري أصدقاءه السعوديين بألا يفعلوها وحذرهم من تداعياتها على منطقة الخليج برمّتها. رفض بن سلمان النصيحة الأميركية وتعهّد بإنهاء الحالة الحوثية خلال 10 أيام. كعادته، ظنّ انّ المزيد من السلاح الأميركي والاستعانة بالخبراء الاسرائيليين سيعزز من فرص تحقيق نصر حاسم في اليمن يعيده الى بيت الطاعة، ومن ثم تحقيق حلم ابليس بالجنة – الذهاب الى سورية. وبعد سنة من بدء عدوان «عاصفة الحزم» وبعده عدوان «عاصفة الأمل»، بمشاركة دول عربية مارقة، لم تحقق السعودية هدفها بإنهاء الحالة الحوثية، على العكس، توسعت القاعدة الشعبية للسيد عبد الملك الحوثي وبات زعيماً لأنصار الله وزعيماً لليمن بلا منافس، وباتت طموحات محمد بن سلمان تهدّد وجوده وتعجل بسقوط النظام. الآن، محمد بن سلمان منهمك في البحث عن نصر وهمي يجعله نداً لابن عمه محمد بن نايف الذي يبحث أيضاً عن نصر وهمي على الساحة الدولية حتى ولو كان على مستوى شراء الأوسمة.

الوضع الاقتصادي السعودي يتدهور: أسعار النفط لا زالت منخفضة رغم التحسّن الطفيف، وتكاليف الحرب على اليمن فاقت تصوّر القادة السعوديين فضلاً عن الخسائر البشرية، وشراء أصوات الدول في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي الرئيس السابق لماليزيا مهاتير محمد قبض 650 مليون دولار من السعودية والآن تجري محاكمته وتمويل الإرهابيين بالمال والسلاح، ودفع رواتب المرتزقة وجيوش الدول العربية المارقة، وصفقات الأسلحة وشراء ولاء القبائل، وتكاليف الاستعانة بالخبراء الاسرائيليّين. لو حسبها السعوديون صحّ لما وقعوا في هذه الأزمة. من كان ليصدّق قبل عام او عامين انّ السعودية الغنية تبحث عمن يقرضها 10 مليارات دولار؟

كلّ ما يجري في السعودية وحولها ليس أسوأ مخاوفها، ولا الكابوس الذي يقلق آل سعود ويهدّد كيانهم. السعوديون يدركون جيداً انّ محاولة ربط السعودية بهجمات أيلول/ سبتمبر 2001 وتحميلها المسؤولية المباشرة او غير المباشرة يضع حبل المشنقة على رقبة النظام ويهدّد وحدة أراضي المملكة. تصريحات اوباما لمجلة «أتلانتك» تشير الى عمق الخلافات بين الولايات المتحدة والمملكة. حمّل أوباما السعودية مسؤولية تصدير الفكر الوهابي الى الدول الإسلامية والأوروبية، وبالتالي يحمّلها مسؤولية الإرهاب الذي ضرب نيويورك ويضرب الشرق الاوسط وأوروبا وأفريقيا. جاءت التصريحات بعد النقد القاسي لنائب المستشارة الألمانية ميركل ومسؤولين اوروبيين آخرين للسعودية. الغرب بات مقتنعاً انّ السعودية هي مصدر ومُصدِّر الإرهاب.

مقاضاة رعاة الإرهاب

أمام مجلسي الشيوخ الأميركي «مشروع قانون» تقدّم به السيناتور الديمقراطي عن نيويورك تشاك شومر والجمهوري عن تكساس جون كورنين وأطلقا عليه اسم «قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب». المشروع يطالب بتشريع قانون يسمح لذوي ضحايا باتخاذ إجراءات قانونية ضدّ ايّ دولة تقتل او قتلت أميركيين على الأراضي الأميركية. تشريع القانون يحتاج الى موافقة مجلسي الشيوخ والرئيس الأميركي. جون كورنين وصف «مشروع القانون» بأنه حيوي جداً لوقف مصادر تمويل الإرهاب.

السعودية فقط أصابها الهلع لأنّ تشريع القانون يتيح لذوي ضحايا هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 مقاضاتها في المحاكم الأميركية على دورها في رعاية ودعم الإرهاب. يواجه «مشروع القانون» عقبات تبدو ضعيفة وغير منطقية لكن طالما الأمر دائماً يتعلق بالمال تصبح تلك العقبات مؤثرة وفعّالة. الرئيس أوباما هدّد باستخدام الفيتو إذا وافق مجلسا الشيوخ على المشروع لأنه يفتح الأبواب أمام الأفراد بمقاضاة الولايات المتحدة في بلدانهم، والسبب الثاني التداعيات المالية والدبلوماسية التي ستنتج في حال مقاضاة دولة حليفة للولايات المتحدة جيمي ريتشيز والد الضحية جيم ريتشيز ردّ على فريق أوباما: «انظر ماذ فعلوا بنا 3000 عائلة فقدت أحباءها ونحن قلقون على مشاعرهم، شيء معيب» .

السبب الثالث وهو الأهمّ جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست «تشريع القانون يعرّض الأميركيين وأعمالهم في الخارج للخطر». لماذا سيتعرّض الأميركيون وأعمالهم في الخارج للخطر؟ لأنّ السعودية ستوجه الارهابيين التكفيريين لمهاجمة المصالح الأميركية. أليس هذا ما يلمّح إليه؟

هناك سبب رابع لا يأخذ حقه في الجدل القائم. في حال تمّت الموافقة على القانون، يمكن لمحامي عوائل الضحايا استخدام القضية المرفوعة ضدّ المملكة للكشف عن محتويات الصفحات الـ28 التي صنّفها الرئيس بوش عام 2002 «سري للغاية»، والتي في اعتقاد السيناتور السابق عن ولاية فلوريدا بوب غراهام تحتوي على أدلة تؤكد رعاية النظام السعودي للإرهابيين التمويل وتسهيل دخولهم الى الولايات المتحدة ، وأكدها النائب عن كنتاكي توماس ماسي، ما يعني المسؤولية المباشرة للدولة السعودية، وبالتالي لا يعود اعتبارها هجمات إرهابية بل «إعلان حرب» بحسب رأي بوب غراهام الذي يقود الحملة لرفع السرية عن الصفحات الـ28.

عندما اتخذ الرئيس جورج بوش قراره بتصنيف الصفحات «سرّي» برّر قراره بأنه «إذا عُرضت الصفحات على الرأي العام ستتعرّض العمليات الاستخباراتية للخطر». مبرّر ضعيف جداً. السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسس ستيفن لينش رفض مبرّر إدارة بوش وقال: «الأمر يتعلق بعلاقة إدارة بوش بالسعوديين». كان بندر بن سلطان آل سعود معروفاً باسم بندر بوش في إشارة الى العلاقة المالية بين آل بوش وآل سعود.

لا بدّ من الإشارة الى نقطة مهمة وهي انّ جميع المعارضين لمشروع القانون لم يقولوا كلمة واحدة تبرّئ المملكة العربية السعودية.

معارضة أوباما وبعض رجال الكونغرس لا تعني انّ مشروع قانون ولد ميتاً، لأنّ القضية باتت قضية رأي عام عنوانها «تذكروا سبتمبر». المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز تردّد قبل ان يُعلن تأييده للمشروع، بينما المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون حسمت أمرها مباشرة، علماً انّ علاقات مؤسسة كلينتون بآل سعود معروفة. من المبكر اعتبار تأييد كلينتون للقانون مجرد سلعة انتخابية. المرشح الجمهوري المتقدّم دونالد ترامب يغرّد خارج كلّ الأسراب. فقد أعلن بصراحة انه لن يشتري النفط السعودي. آمال السعودية بتغيير الرئيس القادم مواقفه، اياً كانت هويته، جمهوري او ديمقراطي، تتضاءل يوماً بعد يوم.

المملكة تهدّد

تمرير مشروع القانون أثار هلع المسؤولين في المملكة لأنهم يعرفون العواقب الوخيمة لتمريره، لذلك سارع وزير الخارجية عادل الجبير الى تهديد الكونغرس ببيع الأصول السعودية التي تُقدّر بحوالي 750 مليار دولار. وأشارت بعض الصحف الى انّ السعودية هدّدت بمقاطعة الولايات المتحدة اقتصادياً. أثار تهديد الجبير غضب أهالي ضحايا هجمات أيلول/ سبتمبر وغضب العارفين بدور السعودية والعائلة الحاكمة بنشر الفكر الوهابي الذي يحرك جميع الحركات الإرهابية في العالم، «داعش» و«جبهة النصرة» و«طالبان» بفرعيها الأفغاني والباكستاني و«القاعدة» و«بوكو حرام»، فضلاً عن عشرات الحركات الإرهابية في سورية. كانت بعض ردود الرأي العام قاسية جداً، لكن الردّ الأقسى واللافت جداً جاء في العنوان الرئيسي لصحيفة «نيويورك دايلي نيوز» «الحثالة الملكية Royal Scum».

إذا مرّر الكونغرس «مشروع القانون» وأصبح نافذاً، ستقوم الولايات المتحدة بتجميد الأصول السعودية إلى حين صدور القرار النهائي. وفي حال قرّرت السعودية بيع أصولها استباقاً لأيّ قرار ستكون خطوة غبية لأنه من المرجح وربما المؤكد ان تقوم الولايات المتحدة بتجميد الأرصدة إلى حين البتّ في القضية وصدور الحكم النهائي الذي سيكون بالتأكيد لصالح عوائل الضحايا، فضلاً عن الانتقام من السعودية بالكشف عن الصفحات السرية، ولا يحتاج الأمر إلا إلى شحطة قلم من أوباما أو الرئيس القادم. بمعنى، على السعودية ان تنسى الـ750 مليار دولار، وان تعمل على إنقاذ رأس النظام فيها من السقوط.

المثير للسخرية والقرف في آن، فقط، صحيفة سعودية بذكاء يفوق الذكاء الاينشتي اكتشفت انّ لوبياً إيرانياً قام بزجّ اسم المملكة في هجمات أيلول/ سبتمبر. فعلاً، انهم من أمة لا تقرأ.

ماذا يجري في الكواليس؟

الحقيقة المؤكدة انّ نظام آل سعود في قفص الاتهام… 1 ـ ممارسة الإرهاب، 2 ـ دعم وتمويل وتسليح الإرهابيين تسليح وتمويل الإرهابيين في سورية دليل قاطع لن تتردّد الولايات المتحدة في استخدامه ضدّ السعودية ، 3 ـ نشر الفكر الوهابي الإرهابي، 4 ـ ارتكاب جرائم حرب في اليمن تقرير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان . الولايات المتحدة تملك الأدلة الكافية لإدانة السعودية، فهل حان موعد محاسبة الراعي الأول للإرهاب العابر للحدود الوطنية؟ مقولة «هاجمنا الدولة الخطأ عام 2003» تثير الرعب في صميم الكيان السعودي. أوباما في مأزق، والمشرّعون الأميركيون في مأزق ايضاً، وعليهم الاختيار بين المال السعودي او محاسبتها على مسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة لهجمات أيلول/ سبتمبر وسقوط أكثر من 3000 ضحية. يجب ان لا تفلت من العقاب على حدّ تعبير والد أحد الضحايا. وقالت زوجة أحد الضحايا «الطريقة الوحيدة لمحاربة الارهاب هي ملاحقة مموّلي الارهاب بالقنابل والطائرات بدون طيار ومقاتلين على الأرض لا يمكن هزيمة داعش الا بملاحقة مموّليها الأغنياء» في إشارة الى السعودية. هناك همس بأن تقوم بلجيكا وهي إحدى ضحايا الإرهاب الوهابي بالمبادرة لملاحقة السعودية في المحالكم الدولية.

في حديث جانبي خلال استراحة الغداء، قال احد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية: «اذا كان آل سعود يعتقدون اننا سنهرع لإنقاذ النظام وإخراجه من أزماته فهم واهمون، واذا كانوا لا يدركون انّ السعودية التي نعرفها لم تعد موجودة فهم يعيشون حالة متقدّمة من النكران». فقد آل سعود توازنهم وانتهت صلاحيتهم، بمعنى انّ نظام آل سعود الوهابي لم يعد صالحاً للمرحلة المقبلة.

هناك همس في أروقة الدول الكبرى والفاعلة على الساحة الدولية تؤكد الاستعداد لمرحلة اُطلق عليها «ما بعد آل سعود». والأسوأ انّ تقسيم السعودية الى اربع دول بات امراً ضرورياً وحيوياً لعودة الاستقرار الى المنطقة، برأي جنرال أميركي سابق.

الخلاصة

قبل انطلاقة الحرب على اليمن، كانت السعودية في ظلّ علاقاتها مع الدول الخمس الكبار الصين خفضت شراءها للنفط السعودي بنسبة 23 ، والثروة النفطية في موقع القدرة على منافسة إيران، لا سيما انّ ايران لا تدخل في منافسات استراتيجية مباشرة وعلنية مع دول المنطقة العميلة Client States على حدّ تعبير نعوم تشومبسكي، بل تتبنّى استراتيجية ملء الفراغ وهي استراتيجية غير تصادمية. وكانت السعودية، على الأرجح، مؤهّلة لأن تحقق نجاحات لو تبنّت الدبلوماسية الصحّ واستخدمت المال في المكان الصحّ والمجال الصحّ، بدلاً من سفك الدماء في اليمن وسورية والعراق والى حدّ ما لبنان، وتمويل القتلة وأكلة لحوم البشر. طال الزمن او قصر، ستدفع ثمن رعايتها للإرهاب…

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى