الصدام الأميركي ـ الروسي في سورية
حميدي العبدالله
أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري قبل أيام أنّ صبر الولايات المتحدة إزاء روسيا قد نفذ جراء موقفها من سورية. هذا الموقف الغريب والمستهجن استدعى رداً روسياً، ولكن الردّ لم يأت هذه المرة على لسان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي قال صراحة إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى اعتماد «جبهة النصرة» المصنّفة تنظيماً إرهابياً من قبل الولايات المتحدة، ومن قبل مجلس الأمن، وفي تفاهمات فيينا لمجموعة الاتصال الدولية، للعمل على إسقاط النظام في سورية، أيّ أنّ لافروف وجه اتهام صريحاً للولايات المتحدة بالتواطؤ مع الإرهاب لإضعاف خصومها وانتزاع تنازلات منهم. الردّ الروسي على كيري جاء هذه المرة على لسان رئيس الأركان في الجيش الروسي الذي قال إنّ صبر موسكو هو الذي نفذ.
ماذا يعني ذلك:
هذه التصريحات المتبادلة تعني أنّ السياستين الأميركية والروسية في سورية تسيران في خطين متوازيين ولن يلتقيا أبداً، مصالح التحالف الروسي السوري الإيراني ترتكز على حقيقة لا يمكن الجدال حولها، مفادها أنّ هذه الدول الثلاث لن تقبل بأيّ حلّ سياسي للأزمة القائمة في سورية على قاعدة التسليم بنفوذ أميركي داخل سورية، لأنّ من شأن ذلك أن يؤسّس لمرحلة طويلة من الصراع واللااستقرار في سورية وفي المنطقة برمّتها. لكن في المقابل لن تتخلى الولايات المتحدة وحلفاؤها، لا عبر الحلّ السياسي ولا عبر أيّ صيغة أخرى عما قدّموه وحققوه حتى الآن في سورية على امتداد السنوات الخمس الماضية.
واشنطن على قناعة اليوم بأنّ لديها أوراقاً لا يمكن التفريط فيها، سواء كانت هذه الأوراق جبهة النصرة، أو الجماعات التي تقاتل تحت مسمّى «قوات سورية الديمقراطية» ولدى واشنطن اعتقاد بأنّ هذه الأوراق تسمح لها بتحقيق واحد من هدفين، الأول، وهو محرك طموحها منذ بداية الأزمة، اقتسام السلطة في سورية والحصول على مواقع قوية داخلها، بعد أن تعذّر إسقاط النظام في عامي 2011 و2012، الهدف الثاني، استمرار حرب الاستنزاف ضدّ سورية وحلفائها إذا لم يتحقق الهدف الأول.
الكلفة بالنسبة للولايات المتحدة ليست كبيرة، على الأقلّ حتى الآن. فتمويل الحرب تقوم به دول المنطقة ولا سيما قطر والمملكة العربية السعودية. والكلفة البشرية تدفعها الجماعات المسلحة وغالبيتها في نظر واشنطن جماعات إرهابية، وبالتالي هي لا تخسر شيئاً، لا سيما أنه لم يسقط للقوات الأميركية حتى الآن قتيل واحد على الأراضي السورية.
هذا الواقع يؤكد للأسف الشديد أنّ ما يجري في سورية لن يجد نهاية له عن طريق الحلّ السياسي، كما يراهن الكثيرون، بل عن طريق الحسم العسكري، مهما كانت كلفته ومهما طال أمده.