عندما يتعاطف «المستقبل» مع الإرهاب ويرفض «الأمن الذاتي»!
هتاف دهام
يضيق الخناق على تنظيم داعش عسكرياً. يتراجع في سورية والعراق. الخطورة أنّ عشرات الآلاف من المسلحين عندما ينفرط عقدهم تحت وطأة الضربات العسكرية لا خيار أمامهم إلا الأعمال الأمنية الانتقامية. لذلك ستزيد «داعش» حجم نشاطها الأمني.
يبدو ما يحصل من تفجيرات في القاع والأردن وتركيا استجابة عكسية مع تراجع هذا التنظيم الإرهابي. يصحّ القول إنها مجرد بداية. دول المنطقة، بما فيها لبنان، بانتظار مرحلة فعلية صعبة. لا معلومات أمنية مؤكدة تؤشر الى تحضيرات تجري لاستهداف لبنان، لكن التحليل الأمني المُجمَع عليه من الجيش والأجهزة الأمنية المختصة والقوى السياسية يثير مخاوف التصعيد المحتمل من قبل المجموعات المسلحة.
يؤكد قطب سياسي مخضرم لـ «البناء» «أنّ مروحة مَن يستهدفهم الإرهاب واسعة. إذا كان في مواجهة مع الدول، فإنّ ذلك يسوّغ له استهداف أية تجمّعات أو حشود أو مرافق. فضلاً عن استهدافات تقليدية تتعلّق بالأقليات الشيعية والمسيحية أو أهداف دولية كاليونيفيل والسفارات والدبلوماسيين.
استعاد القطب السياسي السؤال المعروف جوابه إلى متى ستبقى الجيوب التكفيرية في جرود عرسال؟ لماذا لا تملك الحكومة زمام اتخاد قرار سياسي بتنظيف الجيوب؟ تستدعي المعركة ضدّ التنظيم الإرهابي تنسيقاً مزدوجاً مع حزب الله من ناحية ومع الجيش السوري من ناحية أخرى. يعطّل تيار المستقبل هذا القرار بالعمق. يقارب الأخير موضوع عرسال من زاوية طائفية مذهبية. ومن زاوية التعاطف المُضرّ مع المسلحين الذين يقاتلون الدولة السورية. تؤدّي سياسة التيار الأزرق إلى تحميل الجيش اللبناني وزر هذه المعركة منفرداً. هذا أمر غيرُ مجدٍ. يدفع المؤسسة العسكرية الى تقديم كلفة باهظة غير معروفة النتائج.
إنّ عدم حسم المشكلة في جرود عرسال يترك الساحة اللبنانية مفتوحة على سيناريوات سيئة، بما فيها سيناريو الأمن الذاتي الذي بدأ يطلّ برأسه من بوابة المتضرّرين من المعادلة الذهبية. فهو الوجه السلبي لمعادلة إيجابية فاعلة لتعاون الجيش والشعب والتكامل مع المقاومة.
لا يجوز مقارنة حمل السلاح في بعض القرى كردّ فعل على استهداف إرهابي لها، بظاهرة ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. الثلاثية تجربة مؤسّسية عبّرت عن نفسها طويلاً عبر بيانات وزارية في أكثر من حكومة مرّت على لبنان في العقدين الأخيرين. وكان لهذه الثلاثية الدور الكبير والحاسم في تحرير أرض محتلة من العدو الإسرائيلي. قدّمت تضحيات مشتركة في تموز 2006 وافشلت العدوان الإسرائيلي. عبّرت عن نفسها منذ بدء الإرهاب التكفيري بتهديد الحدود الشرقية للبنان. اشترك الجيش والمقاومة في توزع جغرافيا المواجهة مع هذا الإرهاب وكان هناك تنسيق في معارك شهدتها المنطقة منها معركة عرسال في 2 آب 2014. شكلت المقاومة رافداً أساسياً وعنيداً للجيش في المواجهة التي خاضها. ساهمت المقاومة والجيش السوري في معركة القلمون من داخل الأرض السورية بتخفيف الضغط الإرهابي عن الجيش بانتشاره على الحدود الشرقية في عرسال، وصولاً الى حام ومعربون وما يسمّى بمنطقة الشروق في البقاع الأوسط والى الهرمل ورأس بعلبك ومشاريع القاع.
لكن هل يمكن تصنيف المشهد في القاع والقرى الحدودية بالأمن الذاتي؟
يتناغم أبناء قرى البقاع الشمالي مع الجيش. لا يمكن تصنيف أيّ دفاع أو انخراط لأهاليها في مجموعات حراسة في منطق الأمن الذاتي بمعناه المشبوه المرفوض من اللبنانيين خاصة في فترة ما بعد الحرب الأهلية. لا يمكن إسقاط هذا المسمّى المستفزّ لمنطق الدولة وحصرية مؤسّساتها في الدفاع عن الشعب إلا من قبل المتضرّرين والمبرّرين للإرهاب الذين يوفرون بيئة حاضنة غير مباشرة للجماعات المسلحة. تنسّق الحراسات الليلية مع الجيش لكونه المؤسّسة الرسمية المسؤولة عن حماية المواطنين. يقتصر الأمر على قرى بعينها منتشرة على الحدود تتعرّض للخطر. لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة أو اليدين.
إنّ مسألة حمل السلاح في بعض القرى حق المشروع وردّ فعل عفوي على تهديدات إرهابية وجودية تتعرّض لها بلدات منتشرة جغرافياً على الحدود. الخطر اليومي يحدق بأبنائها. وليس سراً أنّ مواطني هذه القرى متعاونون مع الجيش والمقاومة تبعاً لطبيعة الانتشار بغضّ النظر عن الانتماء الطائفي أو المذهبي في هذه القرى. إنّ السلاح الموجود مع أهالي القرى التي قد لا تكون مسيحية حصراً، لأنّ استهداف القرى الشيعية بأجندة هذه الجماعات التكفيرية هو بحجم استهداف القاع ودير الأحمر ويزيد عليها. السيارات المفخخة في الهرمل واللبوة والنبي عثمان خير دليل. ومشبوه التهويل من قبل بعض نواب المستقبل بعد مشهد حمل السلاح في القاع، من خطر ما أسموه «الأمن الذاتي» واصطدام القرى «المسيحية» و»السنية» و»الشيعية» في ما بينها في مرحلة لاحقة. يحمل في طياته غايات خطيرة. أثبتت الانتخابات البلدية الأخيرة في عرسال رفض أهل المدينة واقع ربط بلدتهم بالإرهاب التكفيري وبما سُمّي «الثورة السورية»، بالتصويت الذي حشر تيار المستقبل شعبياً. يؤكد أهالي البقاع الشمالي أحادية بقاء القرار الأمني بيد الدولة، لكن المخاطر الجاثمة والداهمة وظروفها وتعقيداتها يجب أن تترك مرونة وقدراً من الوعي وتوفير الطمأنينة، ولو اقتضى الأمر حراسات ليلية.