قدر الأميركيين التعامل مع الأسد
ناصر قنديل
– يسهل على الذين يتتبّعون مسار الحرب في سورية القول بأنّ الدور الأميركي فيها كان محورياً ولا يزال، سواء بالنسبة إلى حلفاء واشنطن الذين صارت حرب وجودهم كحال السعودية وأمنهم كحال «إسرائيل» وحجمهم كحال تركيا، أو بالنسبة إلى خصوم واشنطن، الذين يرون عبرها بوابة تحجيم الهيمنة الأميركية تقاسم قيادة العالم مع واشنطن كحال موسكو، أو يرونها بداية ولادة نظام عالمي متعدّد الأقطاب ونظام إقليمي متوازن كحال إيران، أو يعتبرونها فرصة لحماية استقلالهم وثوابتهم كحال سورية، أو يخوضونها كأبرز حروبهم لإضعاف منظومة الاحتلال والعدوان والإرهاب التي تقودها وتغذيها واشنطن كحال حزب الله وقوى المقاومة الشعبية.
– تبدّل موقف واشنطن منذ العام 2013 عندما جاءت الأساطيل الأميركية إلى البحر المتوسط بغرض توجيه ضربة لسورية، وعادت دون خوض حرب راهنت عليها لإحداث تبدّل في موازين القوى الميدانية ومنح الجماعات المسلحة وداعميها الإقليميين فرصة شنّ هجوم نوعي حاسم للإمساك بسورية، فانتقلت واشنطن من معادلة واضحة عنوانها الالتزام بإسقاط الرئيس السوري كعنوان للتغيير الذي تريده في سورية وموقعها في المنطقة وتوازناتها وتحالفاتها، إلى البقاء على موقف الرافض للتسليم ببقاء الرئيس السوري دون امتلاك خارطة طريق لبلوغ ذلك. ويعرف الأميركيون كما يعرف حلفاؤهم وخصومهم، أنّ ما يُحكى عن ذرائع ومبرّرات تتصل بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتغيير والإصلاح في سورية لم تكن إلا ذرائع للوصول إلى الرئيس الأسد والنيل منه، وقد بانت الطريق سالكة لمثل هذه الأهداف بتسويات سياسية تضمن مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، من بوابة جعل محادثات جنيف ذاك العام محصورة بوضع شروط هذه المشاركة وأشكال وضمانات التكافؤ في خوضها وأشكال المساهمة الأممية في الرقابة والتحقق من حدوث عملية انتخابية نزيهة تعكس إرادة السوريين، وكان واضحاً أنّ رفض واشنطن وحلفاءها لهذه الفرصة عبر عن صلة الشعارات السورية الداخلية في الحرب كذرائع لا كأهداف.
– مع تنامي خطر الإرهاب وتجذّره من جهة، وبعد استنفاد الرهان على الخيار العسكري في إسقاط سورية ورئيسها، ومع توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني، صارت الأمور محصورة بين خياري التسوية التي تلتزم واشنطن فيها مع حلفائها بتسوية تضمن التعاون في الحرب على الإرهاب وتكون سورية وجيشها ورئيسها الفريق الذي لا مفرّ من شراكته في هذه التسوية، وصولاً إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع ليقول السوريون أيّ دستور وايّ رئيس يريدون، أو الذهاب لحرب استنزاف بواسطة ضخّ المزيد من المال والسلاح والرجال للتنظيمات الإرهابية، تهرّباً من هذه التسوية، ومنعاً لانتصار الدولة السورية وحلفائها، مع المخاطرة بارتدادات الإرهاب على بلدان الغرب، وقد سارت واشنطن وحلفاؤها بالخيار الثاني.
– مع التموضع الروسي العسكري في سورية بدا أنّ حرب الاستنزاف محدودة الهوامش، وأنّ تدحرج قرار الحسم العسكري، ولو على مراحل سيصير فرصة سورية وحلفائها لنصر عسكري، يخرج واشنطن وحلفاءها من سورية بالكامل، ورغم المناورات الأميركية في تطبيق التفاهمات مع روسيا، يبدو الأمر محكوماً اليوم بثنائية الاختيار بين قبول تسوية تسلّم بدور سورية ورئيسها وجيشها بانتظار الاحتكام لصناديق الاقتراع، وبين ذهاب الأمور إلى مواجهة عسكرية ضارية بين سورية وحلفائها من جهة والتشكيلات الإرهابية التي تشكل عصب الجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية، والتي سينالها جميعاً ما ينال داعش والنصرة، بما في ذلك تلك التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها.
– يبدو شهر تموز حاسماً على صعيد الخيارات الأميركية، فمع أوله بدأ التطلع الأميركي لتفاهم روسي أميركي للتعاون في الحرب على النصرة وداعش وبحث كيفية تحييد مَن تسمّيهم واشنطن بالمعارضة المعتدلة المسلحة. وفي مطلع تموز حدث التموضع التركي نحو روسيا، تحت عنوان الخروج التركي من العثمانية والعودة إلى مفهوم أمن قومي عنوانه مواجهة خطر نشوء كيان كردي على الحدود مع سورية. وقد حدث هذا بعد شهور من المناورات في التعامل مع الهدنة التي رعتها موسكو وواشنطن معاً، وجرى تحت غطائها جلب المسلحين والسلاح لجعل معركة شمال سورية حرب تقاسم الجغرافيا مع سورية وحلفائها، بينما يتمّ استكمال التقاسم بما تنجزه الجماعات التي تدعمها واشنطن مباشرة في الرقة والحسكة، وخاب الرهانان معاً.
– وضعت روسيا روزنامة لحلفائها في اجتماع طهران لوزراء دفاع روسيا وسورية وإيران، مضمونها أنّ شهر تموز هو آخر مهل صناعة التفاهم مع واشنطن للحرب على النصرة، وكيفية تحييد الجماعات الراغبة بالانضمام إلى العملية السياسية عن الحرب، وبعدها سيكون الحسم العسكري هو الخيار الذي تدعمه موسكو في شمال سورية مع حلفائها ضدّ النصرة ومَن يتموضع معها.
– تجد واشنطن نفسها بين خيارَي المماطلة وقبول نتيجة ذهاب روسيا مع حلفائها لحسم منفرد يكرّس الرئيس السوري رمزاً لهذا النصر، أو القبول بتسوية تفرضها على حلفائها، تتضمّن القبول بالتعامل مع الرئيس السوري كشريك في الحرب على الإرهاب، وفي الحالين ستجد نفسها مضطرة للاعتراف بالرئيس السوري كحقيقة واقعية في مشهد الشرق الأوسط الذي غادره ويغادره كلّ الذين راهنوا على رحيله.