أكراد سورية والفخ الأميركي…
إبراهيم ياسين
في خضمّ الأزمة التي تشهدها سورية برز للأكراد دور ملحوظ في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، خصوصاً مع هجوم داعش على بلدة عين العرب وإقدام الولايات المتحدة الأميركية على تقديم الدعم لقوات الحماية الكردية بعد أن لمست واشنطن أهمية الأكراد في الاعتماد عليهم في هذه الحرب، في ظلّ فشل رهاناتها على الجماعات المسلحة الأخرى التابعة لها، والتي لم تكن في مستوى القدرة، لا على مواجهة تنظيم داعش، ولا أن تكون بديلاً يُعتمد عليه بدلاً من جبهة النصرة.
هذا الحضور الكردي أعاد إحياء حلم الأكراد في تحقيق مطالبهم عبر إقامة فدرالية في شمال سورية، مدعومين من الولايات المتحدة الأميركية التي على الرغم من أنّ مثل هذه السياسة تثير حفيظة حليفتها تركيا، إلا أنها مع ذلك دعمت وشجّعت الأكراد على العمل لتحقيق مثل هذا الحلم بغرض استخدام القوة الكردية التي أثبتت قدرة في مواجهة داعش لتحقيق أهداف أميركا في التدخل بشؤون سورية الداخلية، ومحاولة فرض الشروط السياسية لحلّ الأزمة بما يتناسب مع أهدافها ومصالحها الخاصة، وهو أمرٌ يواجه برفض قوي من الدولة السورية وحلفائها.
مثل هذا الأمر، أعاد إلى الواجهة طرح سؤال مهمّ بشأن الموقف من قضية الشعب الكردي وكيفية نيله حقوقه، وما إذا كان السلوك الكردي سابقاً وحالياً خدم ويخدم قضيتهم أم لا؟
الأمر الواضح والذي لا جدال فيه هو أنّ الأكراد شعب له حقوق قومية لا يستطيع أحد إنكارها عليهم، لكن الأمر المؤكد أنّ حرمان الأكراد من هذه الحقوق كان بفعل الاستعمار الغربي، واستطراداً بفعل السياسة التركية والعثمانية القائمة على الاضطهاد القومي للأكراد وغيرهم من الشعوب.
وكما أنّ الشعب الكردي هو ضحية هذه السياسات الاستعمارية الغربية والتركية، كذلك فإنّ الشعب العربي هو ضحية لهذه السياسات التي تجسّدت في تقسيم الأمة العربية إلى دويلات وفق اتفاقية سايكس بيكو وزرع الكيان الصهيوني في فلسطين وتشريد شعبها. وبهذا المعنى يصبح من البديهي القول بأنّ التخلص من آثار السيطرة الاستعمارية في المنطقة هو السبيل لتحرّر شعوب المنطقة ونيلها حقوقها، وبالتالي تحقيق تطلعاتها القومية. غير أنّ بعض الأحزاب الكردية لا تعطي الأهمية إلى خطورة الاعتماد على دعم الولايات المتحدة الأميركية والأنظمة السائرة في فلكها والتابعة لها بغية تحقيق المطالب الكردية. وما يجري اليوم في سورية من رهان على الدعم الأميركي إنما يذكر بتكرار التجربة المرّة، التي تمثلت بالرهان على الدعم الذي قدّمته أميركا وشاه إيران المخلوع، بتمكين الأحزاب الكردية في شمال العراق من الانفصال عن الدولة العراقية أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 1975، حيث سرعان ما تخلّت أميركا وشاه إيران عن هذه الأحزاب الكردية إثر الاتفاق بين العراق وإيران اتفاق الجزائر ، وكانت النتيجة أن تمكن الجيش العراقي في ذلك الوقت من قمع التمرّد الكردي وارتكاب مجازر حلبجة على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
إذاً، فإن تحقيق المطالب الكردية لا يمكن أن يتمّ من خلال الاعتماد على الدعم الأميركي الذي يسعى دوماً إلى تحقيق مصالحه وأهدافه أولاً وآخراً على حساب دماء وأرواح الشعب الكردي… ليس أكثر من ذلك، فيما أنّ مصلحة الأكراد الفعلية تكمن في مواجهة قوى الإرهاب التي تُستخدم من قبل أميركا والأنظمة التابعة لها في المنطقة لتحقيق الأهداف الاستعمارية في سورية وعموم الوطن العربي، وهذه المواجهة لقوى الإرهاب لا يمكن أن تكون إلا على قاعدة التعاون والتنسيق مع أصحاب المصلحة الحقيقية في مواجهتها، عنيت الدولة الوطنية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا، لا سيما أنّ سورية قد أقرّت إعطاء الأكراد حقوقهم الوطنية في إطار الدولة السورية الواحدة، وبالتالي فليس هناك من سبب يدفعهم إلى استجلاب الدعم الأميركي للتدخل في شؤون سورية الداخلية الذي سيلحق الضرر بالدولة وبالأكراد على حدّ سواء، لأنّ أميركا لن تنحاز في النهاية إلى جانب الأكراد على حساب حليفتها تركيا التي ترفض رفضاً قاطعاً إعطاء الحكم الذاتي لأكراد تركيا على الرغم من أنهم يشكلون كتلة كبيرة تتجاوز الستة عشر مليوناً، فيما أنّ أكراد سورية لا يتجاوز عددهم المليونين.
من هنا، فعلى الأحزاب الكردية التي تراهن على الدعم الأميركي لتحقيق أحلامها أن تدرك هذه الحقيقة وألا تقع في فخ الخداع الأميركي مرة أخرى، وعلى هذه الأحزاب أن تدرك أنّ مصلحتها الحقيقية هي في تحرّرها مع إخوانها العرب من أيّ سيطرة أو تدخل أو وصاية غربية… باعتبار أنّ هذا هو الطريق لنيل حقوقهم في إطار من الوئام والاتفاق والشراكة والمصير الواحد مع أبناء المنطقة الحقيقيين وليس على قاعدة العداء والصراع الذي لا يخدم سوى المستعمر الأجنبي الطامع في ثروات المنطقة والساعي إلى تقسيمها وتفتيتها عبر إذكاء النعرات والصراعات بين أبنائها.