حلب.. عنوان الأمل
نظام مارديني
لطالما كانت ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب ذات رمزية خاصة ومقصداً وملاذاً للآلاف من العوائل الحلبية بخاصة والسورية عامة، قبيل العدوان، إلا أن استمرار الاعتداءات الإرهابية التي كانت تستهدفها، عقاباً لبقاء المدينة في كنف الدولة، جعلتها بصورة لا تليق برمزيتها لأهالي المدينة.. هذه «الظاهرة اليابانية» في المشرق العربي، كانت تنافس في صناعاتها بعض الدول الأوروبية، ناهيك عن الدولة التركية بطبيعة الحال.
لعلنا نتذكّر ذلك الأجنبي الذي قال يوماً «هذه الدولة ستكون صين الشرق الأوسط» وهو يقصد سورية.. وتابع ممازحاً «سوف أقترح الإتيان بالبحر إلى هنا لتكون حلب شنغهاي السورية».
الانتصار في حلب هو صورة مصغرة للانتصار الكبير على العدوان الذي تتعرّض له سورية.. العدوان الذي كان الصورة الأبرز لمشاريع الهيمنة وبسط السيطرة وفرض النفوذ على الهلال السوري الخصيب، لذلك يمكن القول إن خواتيم الانتصار في حلب سترسم اعتباراً من اليوم الشكل النهائي لهذا العدوان، وستعيد رسم الخارطة الجيوبولتيكية لتوازن القوى على الساحتين الإقليمية والدولية.. ولن تنفع مع قوى العدوان عملية تعويم جبهة النصرة ولا حتى الاستعانة بالظواهري.. أو الجولاني الذي عولج جرحاه في مشافي الكيان الصهيوني، وثمّة كلام كثير عن لقاءات جمعته مع ضباط صهاينة للتنسيق ضد الجيش السوري.
صدق الجيش السوري عندما كان يردّ على أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأوهامه من أن الأخير لن يقف مكتوف اليدين أمام استعادة الدولة السورية لمدينة حلب. وبالأمس أكد الجيش السوري أقواله من أنه «سننتزع حلب من أحلام السلطان العثماني، وسندعه من دون أحلام، في سورية، ومن دون أوراق».
يدرك أردوغان جيداً ما هي استراتيجية الجيش السوري، وما هي قدراته.. ولا يمكن الظن أنه سيلعب أكثر إذا ما أراد أن يعيد العلاقات الطبيعية مع موسكو. ومن الممكن القول إن انسحاب استخباراته إذا تأكد الأمر سيخلط الأوراق في المنطقة وسيعيد تعديل السياسة التركية الخارجية السيئة تجاه سورية والعراق. وهو ما يمكن اكتشاف تداعياته في الهجوم الذي تشنه صحافة آل سعود على أردوغان.. فهل كان مظفر النواب يسخر من آل سعود عندما قال «عند الآشوريين الثور المجنح، عند العرب الناقة المجنحة»!
الآن، يتأكد أن الإرهاب يفقد أوراقه الواحدة تلو الأخرى.. التحالف الأميركي يساعد «قوات سوريا الديمقراطية» في طرد داعش من منبج.. فهل سيستكمل الجيش السوري تنظيف المنطقة من جهة حلب ومنع العناصر الإرهابية من التوجه إلى ريف أدلب.. بل في دفعهم إلى الحدود التركية والخروج من الأراضي السورية؟
بطبيعة الحال، لا مجال للرهان على نهاية وشيكة لهذه الفوضى الايديولوجية التكفيرية.. نأمل من الحلبيين الذين انتفخت صدورهم فرحاً بالأمس، أن ينظروا إلى الواقع على الأرض باعتباره أكثر من أن يكون كارثياً، لأن معركتهم الأخرى هي في تأهيل المدينة وتنظيفها من بقية الانتماءات التي تكّفر الآخر.. لأن المقاربة الأمنية وحدها لا تجدي أمام هذه الظاهرة، فيما الوهابية لا تزال تعمل، بكل قبليتها، لإسقاطنا في الهاوية.
النصوص الشائكة كما الأسلاك الشائكة هي التي تفصل بين الأحياء أو ساحة سعد الله الجابري التي يحتاج روادها إلى رقصة الروك أندرول في الأيام المقبلة.
الجيش السوري ردّ بالأمس على «معارص إسلامي»، كان قد قال وعبر شاشات التلفزة إن الهوى في حلب «عثماني»… مؤكداً أن الهوى في حلب سوري ولن يكون عثمانياً أبداً.
حلب.. «يا ربّة الوجه الصبوح.. أنت عنوان الأمل»!