تطبيع سعودي ـ «إسرائيلي» مقابل التقارب الإيراني ـ الغربي
روزانا رمَّال
التساؤل عن توقيت «المجاهرة» السعودية بالعلاقة بين مسؤوليها وبين مسؤولين وقادة «إسرائيليين» اليوم هو محطة اساسية من عمر الازمة في المنطقة، وسط صمت الرياض عن تبني موقف واضح في إطار لقاءات عدة كتلك التي حصلت بين الأمير تركي الفيصل ورجل المخابرات السعودي أنور عشقي وبين شخصيات «إسرائيلية». وبهذا الاطار ليس وارداً اعتبار الخطوة ارتجالاً فردياً من كلا الطرفين، على اعتبار ان هذا مستحيل في المملكة وأنّ ملفاً من هذا النوع يشكل قفزة نوعية بالوجهة السياسية. بالتالي يبقى التجاهل السعودي توقيتاً وموقفاً «جسّ نبض» للمواقف العربية والدولية من الخطوة من أجل تثبيتها والانطلاق منها نحو المرحلة المقصودة.
تلفت بهذا الاطار اضافة للصمت السعودي الكامل الصمت العربي ثانياً، بما يشبه إجماعاً على عدم اعتبار الأمر «حدثاً مثيراً» يستدعي استنفاراً ما. وهنا تتضح جهوزية الارضية العربية لهذا الأمر وخصوبة التربة العربية ذهنياً ونفسياً لهذه المرحلة، وهو الذي لم يكن وارداً قبل عقود.
الخطوة السعودية بخطورتها تشكل مفصلاً في حياة دول مجلس التعاون الخليجي ايضاً التي ستتقدم رسمياً نحو «إسرائيل» لإنجاز المهمة نفسها. وهنا فإنّ تطبيع دول الخليج يعتبر تحصيلاً حاصلاً مع «إسرائيل»، طالما ان السعودية قد سبقت ما تبقى من دول بأشواط منذ ما قبل خروج صور الاجتماعات للمسؤولين السعوديين في تل ابيب التي بدأت منذ سنوات. فمنذ عام 2010 حتى 2014 وصولاً الى 2016 على سبيل المثال وبإدارتين مختلفتين للمملكة «عبدالله سلمان» عدد من لقاءات ومصافحات متكررة بين مسؤولين «إسرائيليين» ومسؤولين سعوديين على هوامش مؤتمرات دولية حيناً وفي ندوات ومحاضرات لمعاهد دراسات حيناً آخر شوهد منها لقاء لافت بين تركي الفيصل والمستشار الأمني الأسبق لنتنياهو «يعقوب اميدرور» خلال حضورهما ندوة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط في شهر ايار الماضي من هذه السنة. وقبل هذا التاريخ مصافحات ولقاءات بين داني ايالون ونظيره سعود الفيصل وزير الخارجية الراحل ولقاءات بين تسيبي ليفني وتركي الفيصل بينهما لقاء مع مسؤولين استخباريين كرئيس الاستخبارات الأسبق عاموس يدلين في بلجيكا عام 2014.
يعلق أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على هذا الامر بخطاب مخصص لتأبين أحد قادة حزب الله، فيقول: نحن في وضع عربي سيّئ، وأسوأ ما فيه هو هذا المستجدّ في الموقف السعودي الذي بدأ ينتقل من العلاقة خلف الستار أو التواصل مع «الإسرائيليين» في السر الى العلن، مؤكداً أنه بطبيعة الحال عندما يقوم الأمير تركي الفيصل بلقاءات علنية مع «الإسرائيليين»، ومسؤول سابق في المخابرات السعودية يزور كيان العدو، فإنّ هذا لا يحصل بمعزل عن موافقة الحكومة السعودية.
تتراءى أمام الرياض نتائج المنطقة وتحوّلاتها منذ الدخول الروسي إليها واستعصاء إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد من دون أن تتوقف لتتشارك المنطقة على اسسها الجديدة، لكن يبقى الحدث الفصل بالنسبة للمملكة والذي تأسست من جرائه كافة الاطر السياسية والامنية الجديدة للمملكة والذي استدعى اعادة نظر فورية بوضعها الجديد هو توقيع الاميركيين والغرب مع ايران الاتفاق النووي الذي استعصى حله لحوالي عشر سنوات، تدخلت الرياض وتل ابيب أكثر من مرة لدى الأميركيين لعرقلته…
تدرك إيران انّ الزيارات الاوروبية المتبادلة بين طهران وعواصم كبرى مثل روما وباريس ليست الا اثباتاً على نيات تعزيز غربي للعلاقة خرج من إطار تأييد ملف سياسي عالق. وهنا فإنّ القلق السعودي من قيادة إيرانية إقليمية واسعة النطاق بات حاضراً بشكل كبير، وترتبت على اساسه حاجة سعودية لإيجاد فرصة تحمي وجودها وسيطرتها بالخليج، لأنها ادركت المطلب الاميركي بالتعاون مع ايران، كما ذكر الرئيس الاميركي باراك اوباما لمجلة «اتلانتك» الاميركية بعنوان «عقيدة اوباما» الذي قدّم عرضاً واضحاً للسعودية وموقفا يدعو دول الخليج للتعاون مع ايران لحلّ ملفات المنطقة والتكيّف مع هذا.
المسألة الثانية هي الأكثر خطورة بالنسبة للسعودية الانتفاضة التي شكلتها المقاومة اليمنية وانكشاف الساحة في حرب ضروس تعيشها اليمن منذ سنة ونصف تقريباً في تقدم ميداني كبير لأنصار الله والقوى المقاومة الموالية للمحور الإيراني سياسياً او استراتيجياً. بالتالي اقتراب القوة الايرانية أكثر من المملكة مع تشكل استعصاء عن التفرّد في اختيار صورة الحكم في اليمن كما كان سائداً لعقود عند السعودية.
أهمية دخول النفوذ الإيراني لمناطق النفوذ السعودي حركت «إسرائيل» أمام ما تعتبره مفصلاً أمنياً كبيراً، فاليمن التي تشرف على مضيق باب المندب الدولي والذي تعبر عبره مئات السفن الآتية من دول الخليج وشرق أفريقيا إلى موانئ البحر الأحمر، وتتجه معظمها عبر قناة السويس المصرية إلى البحر الأبيض المتوسط وشمال أوروبا هي غاية أمنية «إسرائيلية» دائمة، فإغلاقها عام 1973 في حرب تشرين الأول/ أكتوبر في وجه السفن الحربية «الإسرائيلية» كان له تأثير خطير استدعى تحريك الأسطول السابع الأميركي حينها نحو باب المندب، اضافة الى إجبار «إسرائيل» على وضع وحدات عسكرية خاصة على جزر أرتيرية قريبة من باب المندب.
التقارب الغربي الإيراني اسهم بشكل أساسي برفع المستور وكشفه ووضع السعودية امام خيار التحالف مع «إسرائيل» علناً، وأخذ الخليج نحو المسار نفسه، وهنا يستدعي استحضار المصلحة «الإسرائيلية» من هذا التطبيع بدلاً من التركيز فقط على المصلحة السعودية ليس آخرها رغبة «إسرائيلية» بالاقتراب من إيران جغرافيا وإعلان «الخليج الفارسي» منطقة «إسرائيلية» أمنياً وسياسياً بدولها كافة.