احترام معتقدات ومعتنقات الآخرين
محمد شريف الجيوسي
كانت ردود الفعل غاضبة على الكاريكاتير المنشور على صفحة كاتب أردني، فُهمت على أنها تتضمّن تعريضاً بالذات الإلهية.
أودّ أن أوضح أنّ التعريض بالله جلّ وعلا، يجري يومياً من قبل العديد من الناس، ولكن ليس عبر وسائل الإعلام، ولأتفه الأسباب، وغالباً ما يكون ذلك من أناس بسطاء وجهلة، لأنّ الشتم والتعريض بالذات الإلهية، بكلّ أنواعه وأسبابه كالإرهاب لا يعرف جنسية ولا ديناً أو قومية أو ثقافة بعينها أو فكراً، حتى ما هو موجّه منه إلى محض آخرين، وهو سلوك مشين جهالي غبي.
وقد كانت ردود الفعل الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفيتين متباينتين، أولاهما إسلاموية سياسية، أرادت الربط قسراً بين الكاريكاتير وسورية، والإيجاء بأنّ سورية تقول الشيء ذاته، واستثمار هذا الصيد البائس ضدّها، بل وتجرأ البعض لطرح أوهام لعلها عبثاً تدخل البلدين في أزمة، الأمر الذي يدفع للتأمل كثيراً إزاء ردود الفعل السريعة هذه، والحذر من دعوات تحمل أنفاس و ثقافة داعش والنصرة ومن لفّ لفّهما، ما يستدعي محاصرتها بكلّ الجدية والحزم.
أما ردود الفعل الأخرى، فعلى خلفية دعوات تَطرح تحت يافطة محاربة الوطن البديل ما يمسّ الشراكة التاريخية بين أردنيين من أصول شرق أردنية وأخرى غرب أردنية، ومع أنّ مناهضة الوطن البديل محلّ اتفاق، لكن الاختلاف في التوقيت والآليات والكيفية… فمحاربة الوطن البديل لا تكون بقوننة فك الإرتباط الآن ولا بسحب الجنسية واعتبار الغرب أردنيين مجرد جالية، ولا بتأميم أموالهم الخ…
إنما تكون مناهضة الوطن البديل بوحدة الصف والكلمة والجهد وصولاً إلى تحرير فلسطين، أما دعوات إقتسام جلد الدب قبل إصطياده، فهي تشتيت للجهد ومدعاة لفتن، وهو كالكاريكاتير بالشكل الذي طرح عليه، ولو أنّ الكاريكاتير اْستبق بعنوان يقول مثلاً: هكذا ترى أو تصوّر أو تفهم العصابات الإرهابية الذات الإلهية، في تقديري، لما كانت كلّ ردود الفعل الغاضبة تلك، أو لكانت أقلّ بكثير.
وأكثر، أقول إنّ استباق منظمة التحرير الفلسطينية، الحصول على قرار أممي بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، كان استباقاً كارثياً ومن نوع اقتسام جلد الدب قبل إصطياده، وانحراف بالبوصلة عن الهدف الرئيس، ومطلوب أن لا يتكرّر خطأ مماثل.
وربما ربط البعض الكاريكاتير، بدعوات لتشكيل جيش طائفي على مستوى بلاد الشام.
إنّ تحقيق أجمل الأماني الوطنية لأيّ شعب في العالم، تتمّ بوحدة مكوناته ونسيجه، وأذكر أنّ وصية الزعيم الفييتنامي الوطني الكبير هوشي منه إلى رفاقه، تضمّنت أن احترموا معتقدات ومعتنقات الآخرين وكنت في حينه قد حرّرت الوصية ونشرت في صحيفة «البعث التي كنت أعمل فيها حينذاك…
بهذه الروحية الوطنية الوحدوية تمكن الشيوعيون في فيتنام من تزعّم جبهة وطنية عريضة من 23 فصيلاً مختلفاً، وبالتالي إلحاق هزيمة عظيمة بالولايات المتحدة وإجبارها على الخروج، لا بطرح أفكار ومشاريع فتنوية وقلب للأولويات والتقلب في المواقف وخلق الشقاق وتسفيه معتقدات الآخرين.
ومنعاً لأيّ التباس، أوضح أنني في هذه العجالة أتحدث في منطلقات ولست بصدد حالة محدّدة.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk