عندما يصبح مستقبل أردوغان بيد الأسد…
روزانا رمَّال
التداخل المحتوم بين الملفات الإقليمية والدولية منذ ما بعد ثورات «الربيع العربي» أخذ الى حسابات ومسلمات حكمت الفترة الممتدة من العام 2011 حتى اليوم، حيث بدأ الحديث عن إعادة نظر ببعض تفاصيل الأزمات وتداعياتها التي أرخت ما يكفي من مخاطر على الدول المهتمة بالديمقراطيات من جهة، وبالتوسع السياسي والعسكري من جهة أخرى، في لحظة بدأت الانهيارات تتوالى على من كانوا رأس حربة الملفات لينكفئوا تماماً عن ريادة المشهد. فتمثل الانهيار الأول باهتزاز شديد الأهمية والدلالات تمثل بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وهي الدولة الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة الاميركية، والتي تشكل اصل الحملات الغربية بالمنطقة واول المنضوين في الأجندة الاميركية ضمن عناصر التنفيذ على ارض الواقع للاستراتيجية الاميركية، وهي الشريك الاوروبي الاول في تقاسم المكاسب السياسية والاقتصادية في المنطقة.
الاهتزاز الذي أرخاه انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يحتاج تدقيقاً مطولاً عن خلفيات هذا الشرخ الذي حصل بين الغرب وواشنطن ضمنياً بالحسابات والأولويات الذي يعتبر مؤشراً اساسياً على بدء اهتزاز تركيبة الحلف الاميركي الغربي مقابل تماسك الحلف الروسي ــــ الصيني ــــ الايراني ــــ السوري، ومنذ لحظة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدأت ملامح التغيير الذي يجري داخل الحلف الاميركي، وأطلقت معه صفارة إنذار التفكك الذي يحيط بأركان هذا الحلف وتركيا التي عاشت ليلة انقلاب دقيقة أنذرت باقتراب الخطر اليها بسبب السياسة التركية الخارجية وانعكاساتها على الداخل، وما الأزمة مع روسيا إلا ترجمة لهذا الانغماس الذي جعل من مركز تركيا الإقليمي نقطة تكاد تتضاءل قدراتها بعدما تقلص منطقها من منطق الداعي للتوسع السياسي ونشر ثقافة حزب العدالة التنمية من فلسطين في حركة حماس ومصر عبر حزب الحرية والعدالة وتونس عبر حزب النهضة حتى ليبيا. وهي كلها امتدادات للحزب الحاكم في تركيا والذي توقفت حظوظه بالامتداد منذ لحظة الثبات الذي عاشه النظام السوري ولا يزال.
يتحدث رئيس وزراء تركيا عن نيات التوصل لحلّ الازمة السورية، وهي ما يرى فيها حلاً ضرورياً بعد المفترقات التي عاشتها تركيا مع الدول الجارة، فيقول إنّ دمشق بدأت تدرك خطر الأكراد وإنّ بلاده ستضطلع بدور أكثر فعالية في التعامل مع الأزمة السورية حتى لا تنقسم البلاد. ازمة الاكراد التي يتحدث عنها يلدريم باتت الهمّ التركي الأكبر في ما يتعلق بمجمل الأزمة، والدولة الكردية التي عاش الاكراد من العراق حتى سورية بدوامة السعي للحصول عليها، فاستغلوا واستُغلوا من الجوار والعالم عند كلّ مشروع توسعي مستجدّ.
يتحدّث يلدريم عن سورية وفي عمق رسائله قلق شديد من مجاهل الملف الكردي المدعوم من واشنطن اليوم التي تساعد بشكل علني على حياكة مفاصله وتحديد أطر دخوله المفاوضات الدولية من دون أن يكون ملفاً بيد تركيا كما كانت تطمح، يؤكد الرجل من أنّ «النظام السوري فهم أنّ البنية التي يحاول الأكراد تشكيلها في شمال سورية بدأت تشكل تهديداً لدمشق أيضاً»، وكأنه يضع نقطة مشتركة بين تركيا وبين سورية للبناء عليها لمرحلة مقبلة، فكيف يمكن ان يجتمع الطرفان على فكرة أهمية الاتحاد من أجل التوصل لحلّ الأزمة الكردية في هذا الوقت الدقيق وكيف يمكن أيضاً اعتبار حديث يلدريم خارج التحوّل او التموضع التركي الجديد؟ «وحدة سورية» هي كلمة السرّ التي خرجت من موسكو بعد لقاء بوتين واردوغان، وخرجت من انقرة بعد لقاء ظريف بأردوغان ايضاً. وها هو يلدريم يؤكد على هذا مع فارق التقارب مع الحساب السوري بالمهمة.
الجزء الهامّ من كلام يلدريم يناقضه التمسك بضرورة التعاون مع دمشق من أجل إيجاد حلّ للازمة الكردية كما قال، وهو الجزء الذي يتحدث فيها عم مصير الأسد فتبدو تركيا مستعدة للمزيد من التقدّم بالموقف تجاه الرئيس السوري لولا بعض ماء الوجه الضروري حفظه. فالتغيير التركي التدريجي لم يعد تحليلاً او حساباً مفترضاً، بل أصبح واقعاً منذ لحظة التقدم التركي نحو روسيا لتصحيح الخلل الذي أعقب سقوط الطائرة وإعادة المياه ليس إلى نقطة ما قبل عملية إسقاط الطائرة، كما بدا للبعض، إنما إلى أبعد منها بكثير حيال سورية، وقد بدا هذا واضحاً بالتصريحات التركية «المباشرة» منذ تاريخ الزيارة ومدّ يد التعاون التركي مع روسيا وايران لحلّ الأزمة.
تأكيد تركيا بلسان يلدريم بأنها تقبل ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً مؤقتاً لكن من دون ان يكون له دور في القيادة الانتقالية وفي مستقبل البلاد يفتح الباب بعد التمسك الشديد بضرورة التعاون التركي السوري بشأن ملف الاكراد. وما قاله يلدريم عن يقين دمشق انّ الدولة الكردية باتت خطراً عليها وهو القاعدة المشتركة التي تكشفها انقرة لدمشق على سؤال عن مصير حزب العدالة والتنمية في تركيا أصلاً، فهل انّ للحزب مصيراً مطمئناً في مستقبل تركيا؟ هل يستطيع الحزب تخطي مأزقه دون النظام السوري الحالي حصراً؟
يدرك اردوغان وفريقه تماماً أنهم غير قادرين على اعادة التوازن بدون الرئيس السوري بشار الأسد ومساعدته في أزمة الأكراد اولاً وما يتيحه التأقلم مع وجوده من علاقة جيدة بروسيا تحافظ على التوازن الاقتصادي، ويدركون ايضاً انهم يجهلون مصيرهم في مستقبل تركيا بعد محاولة الانقلاب المدعوم اميركياً، حسب المعلومات والمرفوض روسياً، فيصبح السؤال عن مصير اردوغان في مستقبل تركيا بدون الأسد بدلاً من السؤال عن مصير الأسد في سورية!