اجتمع العرب يوم قتل الرسول وقتل الشام… وفي المرتين نام عليٌّ في الفراش

د. رائد المصري

لا يجب أن تكون الحقائق صادمة لنا، خصوصاً في لحظات كيّ الوعي العربي، حيث إنه باستحضارنا للتاريخ وأحداثه، ولدى البحث والتمحيص في هذا التاريخ ودراسته وفهم معانيه ليس من أجل ملء الوقت والتسلية، بل من أجل التنبّه للأخطار ومحاكاة التاريخ الماضي مع الحاضر وهو ما أوصلنا لحقائق مفجعة.

بل لعلَّ الجينات المتوارثة لا تجعل منَّا متنبِّهين لا بل متناسين لهذا التاريخ العربي المتوحِّش الذي يتكرَّر منذ ألفي عام على الأقلّ. فالإسلام بدعوته المحمدية جاء رحمة لبني البشر ووحَّد الطبقات الاجتماعية وساوى بينها، وهو ما فرض وضعاً اقتصادياً ومشهداً جديداً على حياة الناس في الجزيرة العربية، ما خلا بعض الطبقات والزعامات القبلية التي أبَتْ إلاَّ أن تحافظ على مكانتها الاجتماعية فتعود وتقلب الصورة والمشهدية التي أرساها الرسول الأكرم على العالمين.

هذه الطبقات الاجتماعية في جزيرة العرب لم يكن إيمانها راسخاً ومطلقاً في الدعوة المحمدية، وبقي كذلك بعد حروب الردّة، بلعب الدور الطبقي نفسه في حياة المسلمين والإبقاء على امتيازاتهم. وحتى على مستوى التضحيات في سبيل الإسلام العظيم كانت بعض هذه الطبقات تفرز نفسها وتُحيِّدها عن قصد أو عن غير قصد، فتمَّت كتابة التاريخ العربي والإسلامي بدمغة الردّة والثأر وكلِّ ما نهى عنه الإسلام ورسوله.

الواقع الطبقي لفقراء الإسلام مع الرسول، وحتى بعد وفاته، جسّدته تجربتا الإمام علي وعمر، رضي الله عنهما، وحين اجتمع العرب بكلّ تلاوينهم وطبقاتهم الاجتماعية والقبلية لإنهاء الدعوة وداعيها بقتل النبيِّ الأكرم، قدّم عليٌّ نفسه فداءً لرسول الله وللإسلام ونام في فراشه. وهو يعلم أنه ملاقٍ حتفه لا محال، منقذاً الدين والرسالة الإلهية وهي تضحية كبيرة وخدمة جليلة من نفس كريمة.

سياقنا التاريخي اليوم يقودنا للحديث عن التضحية بالنفس من أجل الغير ومن أجل القضية، وبعيداً عن الطروحات والمؤثرات الإيديولوجية والدينية أو غيرها والأدوات والطرق المؤدية للهدف، لكن ما أودُّ التصريح به هو أنَّ الأدوات التاريخية ذاتها في الجزيرة العربية منذ ألف وخمسمئة عام التي لعبت وعلى المكشوف الدور التخريبي وبعيداً عن أيّ مكنون إيماني لوَأْدِ الإسلام وتعثُّر طريقه في النضوج وإعلاء شأنه وبثِّ الشِّقاق بين العرب والمسلمين سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية أو أسباب متعلقة بالجندرية الاجتماعية. هذه الأدوات هي نفسها التي تلعب اليوم ذات الأدوار التخريبية، لكن بأزمنة وتواريخ مختلفة، يحفزها إلى ذلك الأحقاد القبلية والعشائرية والمكانة الاجتماعية الطبقية والتاريخية.

التاريخ العربي الإسلامي يُعيد تكرار نفسه: «مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»… فدخل عليٌّ فراش الرسول الأكرم وأراد أن يفديه بنفسه، من غلوِّ العرب بعد أن توحَّدوا لريِّ أحقادهم الثأرية الدفينة، هذه الأحقاد التاريخية البدوية لا زالت في عز النشوة والشبق والنَّهم للقتل وللتحريض والتخريب، فيدخل عليٌّ مجدَّداً في فراش رسول الإسلام وعباءته مفدياً بنفسه مدافعاً عن القيم والمساواة وعن الإسلام السَّمح في سورية والعراق واليمن ولبنان الذي شوَّهَه أباطرة قريش الجُدد في الجزيرة العربية الرافضين الاحتكام لأمر الله، المؤلِّبين للعصبيات القبلية.. نعم فقد قتلتنا الردّة يا مولاي…

اليوم يشكل القناع الديني الخطر الأكبر، لأنّ الأسباب الاقتصادية تقف وراء الجهل والظلم والصراع الاجتماعي والطبقي، فتُسفك الدماء ويقولون هذا قدر من السماء بهدف تحسين شروط العبودية وبقائها.

هي ذات العلاقة الجدلية القائمة منذ نشأة الدين واستغلاله قائم من قبل رجال الدين لمصلحتهم الخاصة، منذ زمن شيخ القبيلة وزمن الكهّان إلى زمن الإنسان الإله، فتارة الكاهن هو الحاكم وطوراً يكون خادماً للسلطات أو في مصلحة السلطة السياسية فكانوا فقهاء السلطان، وفي كلتا الحالتين يكون الخلط بين السياسة والدين.

في القرون الوسطى سُفكت دماء كثيرة باسم الدين، وقامت محاكم التفتيش باسم الدين ولم يتمكَّن الغرب من فصله عن الدولة إلاَّ بعد الكثير من دماء البشر. وفي العالم العربي والإسلامي تُرتكب المجازر باسم الدين. ليبقى السؤال: هل يستطيع العرب تجاوز المراحل التي مرَّت بها أوروبا لنصل الى فصل الدين عن الدولة؟ أم أنه علينا تطوير الدين من أجل الثورة والتغيير؟

قديماً باع باباوات روما المؤمنين في أوروبا القرون الوسطى صكوك الغفران، فاقتطع لهم مساحات في جنة السماء. فباعوهم الوهم، أرضاً في السماء مقابل الراحة الوهمية. وشكّل بذلك علاقة تجارية فارغة، فلا البائع يملك ولا الشاري كذلك سوى التوهّم والتخيُّل…

مجمل القول إنه بالوعي وحده يتحرَّر الإنسان وباستعمال العقل في الفهم والإدراك والقدرة على التحليل والتفكيك… استعمال العقل الناقد دون التقديس، حتى لا يقع في الوهم مرات ومرات… ويُعيد تكرار التجربة التي تتكرّر معها مأساتنا كلَّ يوم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى